شهدت احتجاجات "جيل زد 212" التي اندلعت في المغرب منذ أواخر شتنبر 2025 اهتمامًا واسعًا على الصعيد الدولي، حيث تابعتها وكالات الأنباء الكبرى ووسائل الإعلام العالمية المختلفة بشكل مكثف، مثل "رويترز"، "أسوشيتد برس"، "لوموند"، "واشنطن بوست"، "الغارديان"، "فاينانشيال تايمز"، و"أفريكانيوز".
وقد أظهرت هذه التغطية تباينًا واضحًا في معالجة الأحداث، ليس فقط بحسب الخط التحريري لكل وسيلة إعلامية، بل أيضًا بحسب نوعها، سواء كانت تقليدية مثل الصحف والتلفزيون والإذاعة، أو رقمية تعتمد على منصات التواصل الاجتماعي والمحتوى المباشر الذي يقدمه الشباب أنفسهم.
كما برزت عدة تباينات في طريقة التعاطي الاعلامي مع هاته الأحداث حسب المجالات الجغرافية، إذ اختلفت زاوية تحليل الأحداث بين أوروبا، الولايات المتحدة، إفريقيا، العالم العربي، والمغرب العربي، بما في ذلك التغطية الجزائرية التي حملت أبعادًا سياسية وإقليمية خاصة.
وقد عرفت هذه الاحتجاجات تغطية مكثفة على مستوى مختلف الوسائل، حيث ركزت بعض المنابر على البعد الاجتماعي والاقتصادي، مبرزة مطالب الشباب بتحسين الخدمات العمومية ومكافحة الفساد، مثلما فعلت "رويترز" و"فاينانشيال تايمز" التي أبرزت ارتفاع معدل البطالة بين الشباب إلى 37.7% وأعمال العنف في المناطق الفقيرة.
أما وسائل أخرى مثل "الغارديان" فركّزت على البعد الإنساني، مسلطة الضوء على معاناة المحتجين اليومية، بينما أكدت "الجزيرة" الدور الرقمي للشباب في التنظيم ونقل الصوت الحقوقي والاجتماعي.
في المقابل، سلطت "أفريكانيوز" الضوء على أرقام الإصابات والاعتقالات وأعمال الشغب، ما يعكس أن اختيار الزاوية التحريرية وتحليل الأحداث يخضع لرؤية كل وسيلة ولأولوياتها السياسية والاقتصادية والجيو- استراتيجية.
وتباينت التغطيات أيضًا بحسب المجالات الجغرافية إذ أظهرت وسائل الإعلام الأوروبية، ولا سيما الفرنسية، اهتمامًا بالبعد الاجتماعي والاقتصادي، معتبرة أن الاحتجاجات تعكس استياءً واسعًا من تدهور الخدمات العمومي وتهميش الشباب، مع إبراز دور التنظيم الرقمي في تعزيز قدرة المحتجين على التعبير.
أما الإعلام البريطاني والأمريكي فركز على الجانب الأمني والسياسي، معتبرًا أن هذه التحركات قد تؤثر على استقرار المغرب وعلاقاته الإقليمية والدولية، مع إيلاء اهتمام خاص للجوانب الجيوسياسية.
وفي إفريقيا، سلطت وسائل الإعلام الضوء على أوجه التشابه بين الاحتجاجات المغربية وحركات شبابية أخرى في القارة، مسلطة الضوء على المطالب الاجتماعية والاقتصادية المشتركة والطموحات الديمقراطية للشباب.
أما في العالم العربي، فقد أولت قطر اهتمامًا خاصًا عبر قناة "الجزيرة" ومنصاتها الرقمية، مركزة على البعد الاجتماعي والحقوقي للشباب ومقارنة بين الاستثمارات الكبرى خاصة في مجال الرياضة والنقص في الخدمات الأساسية.
في المقابل، ركزت وسائل الإعلام الجزائرية على قراءة الأحداث من منظور سياسي داخلي وإقليمي، معتبرة الاحتجاجات مؤشرًا على المخاطر المحتملة للتوازنات الإقليمية، مع تلميح إلى محاولات التأثير عبر الإنترنت لاستغلال التوترات الداخلية في المغرب، ما يعكس حدة التنافس الإقليمي بين البلدين.
وفي مقابل هذه التغطيات التقليدية، برز الفضاء الرقمي كفاعل رئيسي في صناعة الحدث ونقله، إذ تحوّل المحتوى الرقمي الذي أنتجه الشباب أنفسهم إلى المصدر الأول للأخبار، مما غيّر طبيعة العلاقة بين الإعلام والواقع. فبفضل الفيديوهات الحية التي وثقها المحتجون التي تصدرت المنصات، أصبح الفضاء الرقمي امتدادًا للشارع المغربي وأداة لتدويل الحراك، إذ اعتمدت وكالات كبرى مثل "رويترز" و"لوموند" و"واشنطن بوست" على هذا المحتوى في تغطيتها، أحيانًا قبل صدور أي بيانات رسمية، ما أضاف بعدًا إنسانيًا وزاد من تأثيره على الرأي العام العالمي.
لقد أظهرت هذه التجربة أن المعركة اليوم لم تعد مقتصرة على الشارع أو المؤسسات الرسمية، بل تمتد إلى الفضاء الإعلامي والرقمي، حيث تتحول الصورة والرواية إلى أدوات تأثير جيوسياسي. ومن يمتلك القدرة على صياغة سردية وطنية متماسكة يستطيع أن يوجّه فهم العالم لما يجري داخله. ومن هذا المنطلق، يصبح من الضروري أن يعيد المغرب قراءة صورته كما عُكست في الإعلام الدولي، وأن يُقيّم بدقة كيفية رواية قضاياه وبناء خطابه في الخارج. لا يكفي أن يُدافع عن استقراره فحسب، بل عليه أن يستثمر في استراتيجية تواصلية ذكية توفّق بين الشفافية والمصداقية والسيادة السردية، تُبرز إنجازاته دون إنكار تحدياته، وتواجه الحملات الموجهة بالمعرفة لا بالإنكار. فالمغرب اليوم مدعوّ إلى الانتقال من مرحلة ردّ الفعل إلى مرحلة صناعة الصورة، ومن التبرير إلى التأثير الفعّال، بما يتيح له تعزيز مكانته الإقليمية والدولية وتحقيق توازن أفضل بين السياسات الداخلية وإدارة سمعته في الخارج.
خديجة الكور
رئيسة منظمة النساء الحركيات