محمد خوخشاني: نحو عقد اجتماعي جديد يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع

محمد خوخشاني: نحو عقد اجتماعي جديد يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع محمد خوخشاني
يعيش المغرب منذ تسعة أيام على إيقاع حراك جيل Z212، الذي فاجأ النخب السياسية والهيئات الرسمية بحجمه وانتشاره وسرعة تفاعله عبر الفضاء الرقمي والشارع معًا.
هذا الحراك الشبابي غير المسبوق، الذي ينتمي إلى جيل التقنية والوعي الرقمي، رفع شعارات واضحة تتعلق بالعدالة الاجتماعية، والكرامة، وتوقّف الاعتقالات، وصولًا إلى مطالبة باستقالة حكومة عزيز أخنوش.
 
لكن ما لا ينبغي إغفاله هو أن الشرارة الأولى لهذا الحراك انطلقت من الاحتجاج على تدهور الخدمات الصحية العمومية، حيث شكّلت المعاناة اليومية للمواطنين في المستشفيات والمراكز الصحية رمزًا للفجوة بين الوعود الرسمية والواقع المعيش.

فبين الاكتظاظ، ونقص الأطر، وغلاء التطبيب في القطاع الخاص، شعر المواطن أن الصحة أصبحت امتيازًا لا حقًا، ما جعلها عنوانًا للغضب الشعبي الحالي.
وفي خضم هذا الوضع، تتجه الأنظار إلى الخطاب الملكي المرتقب يوم 10 أكتوبر، أمام ممثلي الأمة في البرلمان بغرفتيه، في انتظار أن يرسم ملامح المرحلة المقبلة.

لكن السؤال المركزي يظل قائمًا: كيف يمكن للمغرب أن يتجاوز هذه الأزمة السياسية والاجتماعية دون أن يفقد توازنه؟
 
1. وقف المقاربة الأمنية… مقدمة للتهدئة
لا يمكن لأي حوار أو إصلاح أن ينطلق في ظل الاعتقالات والمتابعات المرتبطة بحرية التعبير.
إن توقيف الاعتقالات وإطلاق سراح الموقوفين على خلفية المشاركة السلمية سيكون خطوة أولى لإعادة بناء الثقة.
مثل هذا القرار، إن اتخذ في إطار مبادرة ملكية أو توجيه للنيابة العامة، سيُقرأ داخليًا وخارجيًا كإشارة نضج سياسي ورسالة تهدئة حقيقية.
 
2. الصحة العمومية في قلب الإصلاح المطلوب
لا يمكن تجاوز الأزمة الحالية دون معالجة أصلها: فشل المنظومة الصحية العمومية في ضمان الحد الأدنى من العدالة في العلاج.
رغم دخول نظام التغطية الصحية الشاملة حيّز التنفيذ، فإن ضعف التجهيزات وهجرة الكفاءات الطبية نحو القطاع الخاص جعل المواطنين يعيشون تناقضًا صارخًا بين الحق المعلن والواقع المرّ.
لذلك، يجب أن تكون إعادة هيكلة القطاع الصحي أولوية وطنية قصوى من خلال:
-دعم المستشفيات الجهوية والإقليمية بالإمكانيات البشرية والتقنية الضرورية؛
-تحفيز الأطباء والممرضين ماديا ومعنويا على العمل في القطاع العام؛
-ضبط العلاقة بين القطاعين العام والخاص دون تمييز الثاني على حساب الأول؛
-ربط التمويل العمومي بمؤشرات الجودة والمردودية.
 
فمن غير الممكن الحديث عن كرامة أو عدالة اجتماعية في غياب حق مضمون في العلاج اللائق لكل المواطنات والمواطنين بمختلف الفئات الاجتماعية .
 
3. حوار وطني مع الجيل الجديد
جيل Z212 لا ينتمي إلى المنطق الحزبي القديم ولا إلى الإيديولوجيات الكلاسيكية، بل إلى عالم مفتوح وسريع التفاعل.
من هنا تأتي أهمية فتح قنوات حوار مؤسساتية حقيقية مع الشباب، تُتيح لهم التعبير عن تطلعاتهم ومقترحاتهم حول التشغيل والتعليم والصحة والحريات والعدالة الاجتماعية.
هذا الحوار يجب أن يكون صادقًا ومباشرًا، بعيدًا عن الخطاب الديماغوجي أو المزايدات الحزبية.
 
4. حكومة جديدة... بثقة جديدة
إذا كانت استقالة حكومة عزيز أخنوش ضمن المطالب المرفوعة، فإن التعاطي معها ينبغي أن يكون بمنطق تصحيحي لا تصادمي.
تجديد الفريق الحكومي بوجوه ذات كفاءة ومصداقية، وإطلاق برنامج استعجالي للشغل والتعليم والصحة، قد يشكل مدخلًا لإعادة توجيه السياسة العامة.
كما أن عاهل البلاد، في خطابه المرتقب، يمكن أن يعلن مرحلة جديدة تعيد الأمل في الفعل المؤسساتي وتؤكد انفتاح الدولة على الإصلاح المتجدد.
 
5. إصلاح سياسي ودستوري هادئ
الأزمة الحالية تعكس خللًا أعمق في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والسياسية، وفي ضعف الوساطة الحزبية.
إن المغرب في حاجة إلى نقاش وطني حول تفعيل روح دستور 2011، بما يضمن:
توازنًا أوضح بين رئاسة الحكومة والمؤسسة الملكية؛
تعزيز استقلال القضاء والإعلام؛
 
إشراك المواطنين في القرار العمومي عبر آليات الديمقراطية التشاركية والرقمية.
 
6. نحو مصالحة وطنية جديدة
الأزمات ليست دائمًا نُذرًا بالانهيار، بل قد تكون فرصًا لإعادة البناء.
والمغرب، بتاريخه واستقراره وتجربته في العدالة الانتقالية، يمتلك القدرة على تحويل هذه اللحظة الحرجة إلى منعطف وطني إيجابي.

ذلك يقتضي مصالحة جديدة بين الدولة والمجتمع، قاعدتها الاعتراف المتبادل: أن الشباب هو قوة اقتراح وبناء، لا مجرد موضوع مراقبة.
بإيجاز، إن المغرب يقف اليوم أمام لحظة مفصلية في تاريخه السياسي الحديث.

حراك جيل Z212 ليس مجرد احتجاج، بل مرآة لزمن جديد، وزمن لا يمكن مواجهته بالأدوات القديمة.
 هذا وفي حالة ما إذا كانت أيادي خفية خارجية كانت أو داخلية تريد أن تستغل حراك جيل Z212 فإن  الملك محمد السادس، في خطابه المرتقب، يمتلك فرصة تاريخية لقيادة البلاد نحو تعاقد اجتماعي جديد، يربط بين الشرعية التاريخية للدولة والشرعية الشعبية لجيل المستقبل.
 
محمد خوخشاني، قيادي سياسي سابق وناشط حقوقي