أحمد الحطاب: كتا نظن أن شبابَنا يشبه المدرسةَ التي تخرَّج منها لكن…

أحمد الحطاب: كتا نظن أن شبابَنا يشبه المدرسةَ التي تخرَّج منها لكن… أحمد الحطاب
لماذا هذا العنوان؟ قبل الجواب على هذا السؤال، دعونا نوضِّح الوضع التربوي الذي توجد عليه المدرسة اليوم. أقول الوصع التربوي وليس التَّعليمي، علماً أن المدرسة الحالية لا تُفرِّق بين التعليم والتربية. بل تُرجٍّح التعليم على التربية. ولهذا، يمكننا أن نصف مدرستنا اليوم بكل النعوت غير التربوية إلا أن تكونَ "مدرسة التَّحرُّر الاجتماعي" l'émancipation sociale و"التَّفتُّح الفكري" l'épanouissement intellectuel. إنها مدرسةُ حِفظ واسترداد المعرفة la mémorisation et la restitution du savoir, أي مدرسة الببغائية le psittacisme، أي المدرسة التي لا تُعير أي اهتمام لنمو الملكات الفكرية le développement des facultés intellectuelles, أو إن شئنا، لا تعير أي اهتمام لبناء شخصية المُتعلِّمين les apprenants. فماذا أقصد ب"التَّحرُّر الاحتماعي" و"التَّفتُّح الفكري" اللذان، من المفروض، أن يكونا من ضمن مهام المدرسة وأن تعطيهما هذه المدرسةُ أولويةً قسوى في الخدمات التي تقدٍِمها للأجيال الصاعدة les générations montantes؟
المقصود ب"التَّحرُّر الاجتماعي"، هو أن تكونَ عملياتُ التَّعليم والتُعلم les situations d'enseignement-apprentissages مُرتبطةً بالمجتمع الذي يتغيَّر بانتظامٍ. وأن تكونَ نفسُ العمليات خالية من الخرافات والأساطير les mythes et أو les superstitions ومن الأحكام المسبقة les préjugés ومن التنميط la stéréotypie،  أي من كل ما يجعل المجتمعَ مجتمعا متخلِّفا بلباس حداثي. وفي هذا الصدد، تجب إعادة النَّظر في التربية الإسلامية أو الدينية التي تقدِّم الدينَ أو الإسلامَ، كدين فيه إكراهٌ وفيه تخويفٌ وترهيبٌ وترعيب وعدوان… خلافا لما ينص عليه القرآن الكريم. الدينُ، كما نص عليه هذا القرآن الكريم، دين يُسرٍ وتسامحٍ وخيرٍ واختيارٍ…
أما "التَّفتُّح الفكرى"، فيعني أن تكونَ عمليات التعليم والتَّعلُّم مبنيةً على تشغيل العقل، أي أن يكونَ الهدف منها، هو نمُوُّ الملكات الفكرية، وعلى رأسها، الفكر النقدي la pensée critique. وبعبارة أخرى، أن يكون الهدف منها، هو بناء شخصية المتعلِّمين. وبناء شخصية المُتعلِّمين مبني على التَّربية l'éducation وليس، على الإطلاق، على التعليم وحده. وحتى أكون أكثر وضوحا، التَّعليم ينطلق من المُدرِّس اتجاه المتعلِّم. أما التعلُّمُ فينطلق من المتعلِّم، بمعنى أن هذا الأخير، له استعدادٌ ليتعلَّم ما ينفعه فكريا وعمليا. ولهذا، يجب استغلال هذا الاستِعداد لمزج التعليم بالتربية ليكون لهذا التعليم وقعٌ على بناء شخصية المتعلمين. وبناء شخصية المتعلِّمين لا يتوقَّف ولن يتوقَّفَ، حتى بعد مغادرة المتعلم للمدرسة. لكنه، بعد مغادرة المدرسة، تكون شخصيته قد تحصَّلت على أساسيات بناء الشخصية من الناحِية التربوِية. وأهم شيءٍ، في هذا البناء، هو أن يتسلَّح المتعلِّمُ بالفكر النقدي.
بعد هذه التَّوضيحات الضرورية، بإمكاني الآن الإجابة على السؤال الذي طرحتُه مباشرةً بعد عنوان هذه المقالة، أي "لماذا هذا العنوان؟
في الحقيقة، ما برَّر ويُبرِّرُ ظني، هو انطلاقي من المقولة التي ينصُّ محتواها على أن"المجتمعَ صورةٌ لمدرستِه والمدرسة صورةُ لمجتمعها". وهذه المقولة صحيحةٌ إلى أبعد حدٍّ، بحٌكم أن المدرسةَ هي التي تتخرَّج منها الأجيال، والأجيال هي التي تُدبِّر شؤون المجتمع. فإذا كان الجيل غير مُتوفِّرٍ على مؤهَّلات هذا التَّدبير،  فإنه لن يغيِّرَ من وضع المدرسة حينَ قيامه بهذا التَّدبير. وما دام لا يتوفَّر علر هذه المؤهِّلات، فإنه سيُعيد نفسَ الوضع الذي كانت عليه المدرسة سابِقاً. وهذا هو ما نلاحظه اليوم فيما يخصًّ الوضعَ الكارثي للمدرسة العمومية. لكن هيهات…
لكن هيهات لأن الشبابَ الحالي، لما يئِس من هذا الوضع الكارثي للمدرسة، بحث عن مدرسة أخرى يُعوِّض بها ما لم يجده في المدرسة الحالية. وقد وجَدَ ضالَّتَه في مدرسة شبكات التواصل الاجتماعي. في هذه المدرسة الموازية للمدرسة العمومية، تعلَّم أشياءَ كثيرةً. 
تعلَّم أن الفقرَ la pauvreté والأمية l'analphabétisme ليسا شيئين حتمٍيين ne sont pas des choses fatales, لكنهما مُرتبطان بالإرادة السياسية. تعلَّم أن أي بلد، كيفما كان، يُنتِج ثروةً. وهذه الثروة يجب أن يتمَّ توزيعُها على المواطنين بأنصاف، أي ليس بالتَّساوي ولكن حسب الاستِحقاق. تعلَّمَ أن التعليمَ والصحةَ هما أساس بناء مجتمع سليمٍ، واعي وقادرٍ على النهوض بالبلاد وجعلها من ضمن البلدان المُتقدٍمة فكرياً، ثقافياً، اجتماعباً، اقتصادياً، علمياً، صناعِياً، تكنولوجياً… تعلَّمَ ما معنى الديمقراطية ĺa démocrztie والمُساواة l'égalité وحقوق الإنسان kes droits de l'homme… 
وباختصار، تعلَّمَ إن مستقبلَ البلاد، هو مَن سيتجمَّل مسؤوليةَ تدبيره، وتعلَّم، بالأخص، أن الأحزاب السياسية، الحكومية وتلك التي تتموقَع في المعارضة، لا تُمثِّله ولا تمثِّل الشعبَ المغربي…
فقرَّر أن ينزلَ إلى الشارع للتظاهُر سِلْمِياً والتَّعبير عن مطالِبه المشروعة دستورياً وقانونياً، والتي هي، في نفس الوقت، مطالب الشعب المغربي التي تخلَّت عن الدفاع عنها الأحزاب السياسية.
فلنفُل شكرا للشباب الذي، بفضل بحثِه عن مدرسة موازية مغايِرة للمدرسة التي تخرَّج منها مشحونَ الدماغ بمعارف جافة لا تُسمِن ولا تغني من جوع، استفاد منها وأفادها. استفاد منها ببناء شخصيتِه وانفتاح وعيِه على مصير البلاد الحالي والآتِي. أفادها باطِّلاعِه على أوضاع بلدان أخرى قطعت أشواطاً مهمَّةً في التقدم والازدهار في مختلف مجالات الحياة بمعناها الواسع. وشكرا للشباب المغربي على غيرتِه على مصير البلاد الذي كان، من المفروض، أن تشعرَ به الأحزاب السياسية التي لم يبق لها إلا الشعارات  الفارِغة المُتناقضة مع تسمِياتِها، لضمان بقائها في المشهد السياسي.