عبدالعزيز رجاء: جيل المتقاعدين وجيل "Z" .. ماضٍ لم يُنصف ومستقبل لم يُمنح

عبدالعزيز رجاء: جيل المتقاعدين وجيل "Z" ..  ماضٍ لم يُنصف ومستقبل لم يُمنح عبد العزيز رجاء
ليست دراسة الأجيال مسألة أكاديمية صرفة، بل هي نافذة على فهم الواقع الاجتماعي بالمغرب، حيث تتجسد العلاقة الجدلية بين جيل المتقاعدين، الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن مقابل معاشات هزيلة، وجيل Z، أي الأبناء والأحفاد الذين يواجهون انسداد الأفق وغياب العدالة في التعليم والشغل والصحة والعيش الكريم.
إنها ليست مجرد علاقة عائلية بين آباء وأبناء، بل صورة مكثفة لخيبة أمل جماعية: ماضٍ لم يُنصف، ومستقبل لم يُمنح.
تضحيات بلا مقابل : 
قضى المتقاعدون عقودًا من حياتهم في الإدارات والقطاعات الإنتاجية، ليجدوا أنفسهم بعد التقاعد أمام واقع مرير:
معاشات مجمدة منذ أكثر من 27 سنة في القطاع العام، وزيادة هزيلة جدا في القطاع الخاص.
تكاليف علاج باهظة مقابل تغطية صحية شبه منعدمة.
استمرار مسؤولية الإنفاق على الأبناء، رغم أن التعويضات العائلية تُقطع تلقائيًا عند بلوغ أحدهم سن 21 عامً، وهو لازال يواصل دراسته.
تهميش وإقصاء من الحياة العامة، رغم تراكم الخبرة والتجارب.
 أبناء وأحفاد يواجهون المصير نفسه:
جيل Z في المغرب ليس مجرد تصنيف عالمي، بل هو أبناء وأحفاد المتقاعدين أنفسهم، وُلدوا وترعرعوا في زمن الهواتف الذكية والرقمنة، وتشبعوا بقيم الحرية والعدالة، لكنهم اصطدموا بواقع صعب:
بطالة خانقة  ومتفشية حتى بين حاملي الشهادات العليا.
مدرسة عمومية تحولت إلى حقل تجارب لبرامج فاشلة، آخرها "المدرسة الرائدة"، مقابل تعليم خصوصي مهيمن باهظ التكلفة. 
انسداد الأفق وتفشي المحسوبية بدل الكفاءة.
حلم الهجرة الجماعية كحل أخير للهروب من الإحباط (الفنيدق نموذجًا شتنبر 2024)
برامج حكومية : بين الوهم والفشل
رغم تعدد المبادرات الحكومية، فإن برامج التشغيل والتكوين الموجهة للشباب انتهت إلى خيبة أمل مثل برامج:
إدماج (2006): وفر عقودًا مؤقتة استغلتها المقاولات كيد عاملة رخيصة.
تأهيل (2007) :تكوينات نظرية بعيدة عن حاجيات سوق الشغل.
مقاولتي (2006–2011) : 
فشل أغلب المشاريع بسبب غياب التأطير والتمويل.
أوراش (2022): مناصب مؤقتة بلا استقرار مهني.
فرصة (2022): نسخة معدلة من "مقاولتي"، عانت من البيروقراطية والمحسوبية.
هذه البرامج لم توفر حلولًا حقيقية، بل عمقت إحباط الشباب وأثقلت كاهل المتقاعدين الذين اضطروا للاستمرار في دعم أبنائهم ماديا رغم ضعف وهشاشة معاشاتهم.
وسائل التواصل الاجتماعي: البديل عن الوساطة التقليدية
في ظل عجز الأحزاب والنقابات، وجد كلا الجيلين في العالم الرقمي متنفسًا ومساحة للتعبئة:
الشباب يستخدمون الهاشتاغات للمطالبة بالحق في التعليم والشغل والصحة.
المتقاعدون يوظفون الفضاء الافتراضي لعرض معاناتهم وتنظيم وقفات سلمية.
لقد أصبح "الهاشتاغ" أكثر تأثيرًا من البيانات الحزبية، وأصدق من أي خطاب رسمي، وهو ما يكشف فقدان الثقة في الوساطة المؤسساتية.
الدولة والأحزاب: سياسات ترقيعية وفقدان المصداقية
الدولة اكتفت بحلول ترقيعية:  زيادات طفيفة في المعاشات، إعفاء ضريبي لم يستفد منه سوى أقل من 4% من المتقاعدين الميسورين، وبرامج تشغيل بلا أثر ملموس.
الأحزاب فقدت مصداقيتها أمام الجيلين: المتقاعدون يعتبرونها تخلت عنهم، والشباب يرونها عاجزة عن تمثيلهم والتعبير عن طموحاتهم ، ولم تنصف من أفنى زهرة أعمارهم في نهضة وتطور البلاد.
وحدة المصير بين الأجيال
جيل المتقاعدين وجيل Z هما وجهان لعملة واحدة:
الأول ضحية عقود من التضحيات التي لم تُقدَّر.
الثاني ضحية سياسات عمومية فاشلة لم تمنحه فرصة للانطلاق.
لكن في العمق، المطلب واحد: الكرامة والعدالة الاجتماعية.
ولهذا، فإن أي إصلاح حقيقي في المغرب لا يمكن أن يفصل بين الملفين، بل يجب أن يتعامل معهما كقضية واحدة تمس حاضر البلاد ومستقبلها.
 
 
عبد العزيز رجاء، الرئيس المؤسس لهيئة المتقاعدين المدنيين بالمغرب