حسن أشهبار: دور الملك التحكيمي يظهر في الأزمات الدستورية الكبرى لا في كل اضطراب اجتماعي

حسن أشهبار: دور الملك التحكيمي يظهر في الأزمات الدستورية الكبرى لا في كل اضطراب اجتماعي حسن أشهبار، أستاذ القانون العام بالكلية المتعددة التخصصات بتازة
قال حسن أشهبار، أستاذ القانون العام بالكلية المتعددة التخصصات بتازة إن الملك يحتل في النظام الدستوري المغربي موقعا محوريا يجعله رئيس الدولة ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها وحكما أعلى بين مؤسساتها كما ينص على ذلك الفصل 42  من الدستور. غير أن هذا الموقع لا يعني التدبير اليومي للشأن العام لأن الدستور أسند هذه المهمة للحكومة المنتخبة التي تمثل الإرادة الشعبية وللبرلمان الذي يتولى التشريع والمراقبة والمساءلة.
 
وأشار أشهبار أن عدم تدخل الملك بشكل مباشر  في الأحداث الجارية يمكن تحليله دستوريا على ضوء مبدأ ربط المسؤولية السياسية الذي يجعل الحكومة مسؤولة أمام البرلمان وأمام الشعب عن معالجة الأزمات الاجتماعية والاحتجاجات؛ فالتدخل الملكي المباشر في قضايا من هذا النوع قد يربك منطق المبدأ المشار إليه ويضعف دور الحكومة المنتخبة التي يفترض فيها أن تبادر إلى فتح قنوات الحوار واتخاذ التدابير اللازمة.
 
كما أن النظام الدستوري المغربي يقوم على مبدأ الفصل المرن للسلطات وهو مبدأ يجعل من الملك ضامنا للتوازن وحكما عند الضرورة لا فاعلا مباشرا في النزاعات الاجتماعية.
 
 وأوضح أن دور الملك التحكيمي يظهر في الأزمات الدستورية الكبرى التي تمس حسن سير المؤسسات أو استقرار الدولة لا في كل اضطراب اجتماعي ما لم يبلغ مستوى يهدد الأمن العام أو وحدة البلاد.
ومن الزاوية الدستورية يمكن القول - يضيف أشهبار - أن عدم تدخل الملك مباشرة في هذه الاحتجاجات يعبر عن حكمة مؤسساتية تقوم على تكريس دولة المؤسسات بدل دولة الأشخاص واحترام مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتجنب تسييس موقع الملك أو الزج به في قضايا ظرفية قد تستعمل في السجال السياسي. كما أن هذا الموقف يحافظ على موقع الملك كضامن للاستمرارية وملاذ عند الأزمات الكبرى.
 
أما من الناحية الرمزية فإن التجربة المغربية أكدت أن تدخل الملك لا يتم إلا عندما تبلغ الأزمات مستوى يمس استقرار الدولة وتماسكها كما حدث في مراحل سابقة. 

ولذلك - يقول محاورنا - فإن ترك تدبير الاحتجاجات للحكومة والفاعلين المؤسساتيين يعبر عن نضج سياسي وتدرج في الانتقال نحو ملكية دستورية برلمانية تؤمن بتقاسم السلطة والمسؤولية.
 
وفي هذا السياق يطرح سؤال حول ما إذا كان يمكن للملك إقالة رئيس الحكومة أو الحكومة بكاملها. 
 
وأضاف أن الدستور في فصله 47 ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب،
وعلى أنه يمكن للملك، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة بناء على استقالتهم أو بطلب منه. أما إقالة رئيس الحكومة نفسه فلا تكون إلا إذا قدم استقالته للملك أو في حالة فقدانه للأغلبية البرلمانية وسقوط الحكومة بملتمس الرقابة. فسلطة الملك هنا مقيدة بالإرادة الشعبية والآليات الدستورية للمساءلة البرلمانية، احتراما لمبدأ المسؤولية السياسية الذي يربط الحكومة أمام البرلمان وليس أمام الملك مباشرة.
 
أما بخصوص حل البرلمان، فأشار أشهبار أن الدستور في فصله  56 يمنح الملك صلاحية حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير شريف، بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس المحكمة الدستورية ورئيس كل من المجلسين. لكن ممارسة هذه الصلاحية تخضع لشروط دقيقة تضمن عدم تعسفها، خصوصا في الفترات التي تقترب فيها نهاية الولاية التشريعية. فإذا كانت الانتخابات لا تفصلها سوى سنة واحدة، فإن حل البرلمان يصبح خيارا سياسيا استثنائيا لا يلجأ إليه إلا إذا استحال استمرار البرلمان في أداء مهامه أو تعطلت المؤسسات بشكل يهدد الاستقرار العام، لأن الحل في هذه الحالة قد يخلق فراغا تشريعيا وسياسيا غير مبرر في ظل قرب الاستحقاقات المقبلة.
 
وفي حالة حدوث أزمة سياسية حادة قد تستدعي تدبير مرحلة انتقالية أو تسيير الشأن العام مؤقتا، يمكن التفكير في تشكيل حكومة تقنوقراطية أو حكومة كفاءات وطنية لتصريف الأمور الجارية، لكن هذا الخيار يجب أن يندرج ضمن الإطار الدستوري ذاته، أي بعد تعذر تشكيل أغلبية سياسية أو بعد استقالة الحكومة أو سقوطها، وفي هذه الحالة - يقول أشهبار- يعين الملك رئيس حكومة جديدا وفق منطق الفصل السابع والأربعين.
 
وكخلاصة فإن عدم تدخل الملك يمثل بحسب أشهبار تجسيدا للدستور المعيش وترسيخا لثقافة مؤسساتية تقوم على تحمل كل جهة لمسؤولياتها في إطار احترام مبدأ الفصل بين السلطات وضمان التوازن بينها كما يعكس وعيا دستوريا متقدما يميز بين الدور التحكيمي السامي للملك وبين المهام التنفيذية والسياسية التي تقع ضمن صلاحيات الحكومة المنتخبة.