عبد الرزاق وردة: الإحتجاج مشروع والعنف منبوذ

عبد الرزاق وردة: الإحتجاج مشروع والعنف منبوذ عبد الرزاق وردة

بعيداعن نظرية المؤامرة وبعيداعن عملية التخوين، التي تعرض لها نشطاء الريف، وخلافا لما عهدته الأجيال السابقة في طرح تساؤلات لا تخلومن خلفيات سياسية، كانت إلى عهد قريب، لها ربما ما يبررها، وذلك من قبيل: من وراء هذه الاحتجاجات؟ من هم قادتها؟ ماهي انتماءاتهم؟ ماذا يريدون؟ وقد تتناسل عنها تساؤلات أخرى ..إن "جيل زد" حركة احتجاجية ظهرت في آسيا منذ 3 سنوات، وقد شهدتها كل من سريلانكا وبنغلاديش والنيبال، وكادت ان تشمل كل من الفيليبين والهند، وذلك تحت نفس المطالب الإجتماعية، مما أدى في بعض الحالات إلى سقوط حكومات واتخاذ بعض القرارات السياسية والقيام ببعض الإصلاحات تحت ضغوط الشباب الرقمي.

من هذه المنطلقات وفي سياق وطني حافل بأوضاع إجتماعية صعبة مشابهة، عنوانها الفقر والتهميش وارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة واستفحال البطالة واختلال المنظومة الصحية وتردي النظام التعليمي وتفشي الفساد... مقابل هذه الاوضاع تشهد بلادنا عدة مشاريع كبرى تهم أساسا البنيات التحتية من قبيل الموانئ والمطارات والطرق السريعة والقطارات وملاعب ضخمة لكرة القدم والمسارح الكبرى .. إنها مؤسسات ومرافق وتجهيزات عملاقة تتطلب ملاييرالدولارات سترهن ديون تكلفتها الشباب الحالي والأجيال القادمة علاوة على استفزازها للمواطنين من حيث المبالغ الضخمة المعلنة من جهة وعدم مراعاة الأولويات والموازنة بين الحاجيات الوطنية الملحة والإلتزامات الدولية لبلادنا من جهة ثانية.

فإذا كانت مردودية بعض هذه المشاريع لا تحتاج عناء كبيرا لتأكيدها، فإن سؤال الجدوى حول البعض الآخر يظل مطروحا دون جواب؛ إن الأمر يتعلق بالهدف من تشييد وتأهيل أربعة ملاعب في نفس المدينة، الرباط والتي بالكاد تصل ساكنتها مليون نسمة. كما أن تشييد أكبر ملعب في العالم ببن سليمان يتسع ل 115 ألف متفرج لننافس الملاعب الدولية الإسبانية الجاهزة، نوكامب وبيرنابيو،على احتضان نهاية كأس العالم أمر لا يقبله العقل ولا المنطق، وسواء فزنا أولم نفز بهذا الرهان، من حقنا التساؤل عن مآل هذا الملعب بعد المونديال؟ ماهو مستوى المباريات التي ستلعب فيه؟ من هي الجماهير التي ستلجه؟ كم ستبلغ اثمنة التذاكر فيه ؟ حتى وإن ضم مرافق تجارية ذات العلامات الدولية أومجموعة مولات، فإن مردودية هذا الإستثمار الضخم  مغامرة مالية لا أظن أنها محسوبة العواقب. إن تنظيم التظاهرات الدولية وما تستلزمه من مرافق وتجهيزات لا تعود حتما على البلد المنظم بالنفع والمردودية المالية، فتداعيات هذه الاستحقاقات الرياضية على كل من اليونان وروسيا والبرازيل لا زالت ماثلة للعيان.

إن المملكة المغربية عريقة في التاريخ متجدرة في المخيال الوطني لا تحتاج، لتحسين صورتها، إلى تشييد أكبر ملعب أوأعلى برج أو أكبر طاجين ... ولا إلى الترويج للقفطان المغربي أو الفسيفساء الأندلسي. إننا في غنى عن هذا الترويج المبتذل الذي ينبغي القطع معه، كما ينبغي إعادة النظر في اللجوء إلى ما يسمى ب "المحللين السياسيين" الذي يتوافدون على النشرات الإخبارية لبعض القنوات التلفزية لتلميع الصورة والدعاية المتجاوزة.

 

فمن هذه المنطلقات الدولية وأخذا بعين الاعتبارالسياق الوطني أعلاه، استمد الشباب المنتفض قرارالخروج والاحتجاج السلمي لإيصال صوته، خارج الإطارات والوسائط التقليدية، لمن يهمهم الامر، تحت يافطة جيل زد212  في إشارة منه إلى الرمزالبريدي للمغرب.

لقد تابعنا ببالغ الحسرة والألم، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو  سوشيل ميدا، كما يحلوالقول لشباب اليوم، سلمية الوقفات الإحتجاجية التي عرفتها بعض المناطق المغربية، واستمعنا إلى شعارات معبرة ومسؤولة تنم عن وعي وتصريحات فصيحة لا تلعثم يكتنفها .. لكن بقدرما فرحنا بهذا الجيل وحيوية مجتمعنا، بقدرما آلمنا التصرف القمعي الذي واجهت به مختلف القوات الأمنية هذه الوقفات الإحتجاجية السلمية. إن العنف والإعتقالات طال عشرات الشباب ذكورا وإناثا، بل حتى الأطفال وآباءهم ربما ذنبهم الوحيد أنهم مروا من هناك.

وإذا كانت بعض المدن؛ انزكان، وجدة، سلا، أيت أورير، تارودانت... قد عرفت أحداث عنف وشغب تسيئ لبلادنا وسمعتها،  فإن الجهة المتسببة في أعمال التخريب وإضرام النار في الممتلكات الخاصة والعامة و رشق القوات الأمنية بالحجارة هي واحدة من الإثنين لا ثالث لها؛ فهي إما مجموعة من اللصوص والشماكرية وذوي السوابق أوجهة افتعلت ذلك عن قصد للخروج عن الصواب وعن الطابع السلمي العام لإطلاق شرارة العنف والعنف المضاد، كما تابعنا جميعا من خلال مختلف المنابر الإعلامية  ووسائل التواصل الإجتماعي.

ففي الحالة الأولى ينبغي إنفاذ القانون مع ما يترتب عنه من عقوبات في حق المجرمين، أما في الحالة الثانية فلا بد من فتح تحقيق في هذه الممارسات الإجرامية الخطيرة لإماطة اللثام عن الفاعل الحقيقي واتخاذ المعين في حقه ...