الخبشي: احتجاجات جيل Z.. بين مطالب الصحة والتعليم والانزلاق نحو العنف والتخريب

الخبشي: احتجاجات جيل Z.. بين مطالب الصحة والتعليم والانزلاق نحو العنف والتخريب مشهد من أعمال العنف والتخريب وفي الإطار عبد العزيز الخبشي
قال عبد العزيز الخبشي، الكاتب والمحلل السياسي، أن الشعارات الأولى التي رفعتها حشود الشباب المتظاهرين عكست انشغالات واضحة بقضايا اجتماعية صرفة: الحق في تعليم عمومي جيد، وخدمات صحية تحفظ الكرامة، وفرص عمل تضمن حياة كريمة. وهي نفس القضايا التي سبق أن نبه إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره لسنة 2022، محذرا من خطورة تردي المدرسة والصحة العموميتين على السلم الاجتماعي. مطالب المحتجين، إذاً، لم تكن خارجة عن الدستور أو المواثيق الدولية، بل جزء من الحقوق الأساسية. غير أن المسار السلمي لهذه التعبئة لم يدم طويلا.  

وأضاف الخبشي في تصريح لجريدة "أنفاس بريس"، أنه، فجأة، تحولت هذه المطالب إلى مشاهد عنف وتخريب وإحراق للسيارات وممتلكات عامة وخاصة. 

وهنا برز السؤال الجوهري: هل هذا الانزلاق تعبير إرادي من "جيل Z" الذي يقود الاحتجاجات، أم نتيجة عوامل خارجية؟ تقارير حقوقية، منها ما صدر عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يقول الخبشي، تؤكد أن الاحتجاجات غير المؤطرة تبقى أكثر عرضة للاختراق من عناصر مندسة أو أطراف ذات حسابات سياسية. كما يشير محللون إلى أن هذا الجيل ما زال في طور التشكل التنظيمي، في ظل غياب قيادات ناضجة قادرة على توجيه الغضب الشبابي وصون سلميته.  

وأكد عبد العزيز الخبشي، أن رد العنف بالعنف لا يعفي الشباب المحتجين من المسؤولية. فاستعمال القوة من قبل السلطات قد يكون عاملا مفسرا للتصعيد، لكنه لا يبرر التخريب الذي يقوض شرعية المطالب الأساسية ويفقد الحركة تعاطفا اجتماعيا واسعا. فالمجتمع، كما يحذر خبراء، قد يتفهم الأسباب الاجتماعية للاحتجاج، لكنه يرفض أن تتحول التظاهرات إلى مصدر تهديد للممتلكات والسلم العام.  

وبخصوص موقع الحكومة في ظل موجة الاحتجاجات، شدد الخبشي، على أن الحكومة، بدورها، مطالبة بالخروج من ثنائية القمع أو تجاهل المطالب، فالتقارير الوطنية والدولية، مثل تقرير البنك الدولي سنة 2023 حول تشغيل الشباب، تؤكد أن أكثر من 30% من الشباب المغربي خارج نطاق التعليم والعمل والتكوين، ما يشكل خطرا بنيويا على الاستقرار إذا استمر التهميش. تجاهل هذه الفئة أو الاكتفاء بخطاب التبخيس، يقول المراقبون، لن يزيد سوى في رفع حدة الاحتقان وربما الدفع نحو انفجارات اجتماعية أكبر.  

على الجانب الآخر، يُنتظر من الحركات الشبابية الناشئة تعلم دروس هذه الأحداث، يقول الخبشي، مضيفا، فنجاح أي حراك اجتماعي رهين بالحفاظ على السلمية وبناء خطاب واضح، قادر على كسب التعاطف الشعبي وتفادي أي توظيف خارجي. وفق خبراء علم الاجتماع السياسي، فإن التنظيم المحكم ووجود قيادة مسؤولة يمثلان شرطين أساسيين لانتزاع نتائج ملموسة.  

وحول ما وقع في إنزكان ووجدة والقليعة.. قال الكاتب والمحلل السياسي، أنه يمثل جرس إنذار خطير على أكثر من صعيد. فهو يفضح هشاشة السياسات الاجتماعية القائمة، ويكشف في الوقت ذاته فراغا سياسيا وتنظيميا لدى جيل جديد يعيش أزمة ثقة مع المؤسسات. ولعل المسؤولية مشتركة هنا: الشباب مدعوون لفهم أن العنف لا يخدم قضيتهم، والدولة مطالبة بالتخلي عن الاختزال الأمني لصالح إصلاح اجتماعي وسياسي أوسع. وكما جاء في تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لسنة 2022، فإن الاستقرار في دول تعاني من فوارق اجتماعية حادة لن يتحقق دون إدماج فعلي للشباب في القرار والسياسات.  

فما لم يتم تدارك الأمر عبر حوار جاد وتدابير ملموسة، قد يتكرر هذا السيناريو في مدن أخرى وبأشكال أكثر خطورة، وهو ما ينذر بأن التحدي ليس أمنيا فقط، بل اجتماعيا وسياسيا في جوهره.