وصفي بوعزاتي: جيل Z 212.. احتجاج خارج القنوات التقليدية

وصفي بوعزاتي: جيل Z 212.. احتجاج خارج القنوات التقليدية وصفي بوعزاتي
في يومي 27 و28 شتنبر، لم يكن المشهد في المغرب عاديًا. شباب في مقتبل العمر، بوجوه جديدة وأصوات واثقة، قرروا أن يقولوا كفى. سمّوا أنفسهم جيل Z 212، ورفعوا شعارات بسيطة لكنها تختزل كل شيء: تعليم، شغل، كرامة، ومحاربة الفساد. معدل أعمارهم لم يتجاوز 25 سنة، وجوه جديدة بالكامل، لا علاقة لها بالوجوه المعهودة في الساحة الاحتجاجية.
 
الاعتقالات التي رافقت هذه الاحتجاجات لم تكن إلا محاولة لمعرفة من هؤلاء، من دعاهم، وهل هناك أهداف أخرى غير معلنة. لكن الحقيقة أن ما يميز هذا الجيل هو أنه غير مؤطر سياسيًا ولا اجتماعيًا. لا أحزاب، لا نقابات، لا جمعيات. جيل مستقل، يتعبأ بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتحرك خارج القنوات التقليدية.
 
المشكلة أن الفاعل السياسي عندنا لا يتعامل مع هذا الجيل بجدية. بل يحتقره. يحاول دائمًا إلصاقه بصورة سطحية مثل "جيل طوطو"، وكأننا أمام شباب فارغ بلا وعي ولا هم. في حين أن الواقع يثبت العكس: شباب يعرف بالضبط ما يؤلمه وما يريده، ولم يجد في السياسات العمومية المتعاقبة أي أفق.
 
لنطرح الأسئلة كما هي:
هل يعاني هذا الجيل من البطالة؟ نعم، والأرقام صادمة. والي بنك المغرب نفسه قال إن معدل بطالة الشباب يقترب من 47%، رقم يصدر عن مؤسسة مستقلة لا تشتغل بالحسابات السياسية.
هل وضعية الصحة مقبولة؟ إطلاقًا. نحن في أسفل الترتيبات العالمية، والمستشفيات كارثية بشهادة زيارات وزير الصحة شخصيًا.
 
وماذا عن التعليم؟ ترتيب المغرب ضعيف جدًا. المليارات صُرفت على مخططات استعجالية وأخرى ارتجالية، والنتائج مخيبة. مشروع "مدرسة الريادة" في صيغته الحالية يعكس مشكلا في المنهجية، لا في الفكرة.
الفوارق الاجتماعية والمجالية؟ الملك نفسه أكد وجودها ودعا الحكومة إلى إجراءات عاجلة للحد منها.
 
إذا اتفقنا على أن هذه الأعطاب كلها قائمة، فخروج الشباب للاحتجاج ليس مفاجئًا، بل طبيعيًا. والسؤال الحقيقي: ماذا كانت تنتظر الحكومة؟
الحكومة اليوم تبدو متعجرفة ومتعددة الطبقات، لا تخاطب الشعب، بل نحس أنها دائمًا تضع نفسها في ميزان المواجهة مع خصومها السياسيين. وحتى حين تتفاعل، تفعل ذلك ببرود قاتل.
 
أما الأحزاب، فقد تحولت إلى دكاكين انتخابية، بعضها بيد الأعيان الجدد (les nouveaux riches)، وبعضها تحت رحمة تجار الأزمات، وأخرى بيد مهندسي غسيل الأموال. السياسة اصبحت تختزل في التزكيات التي تُباع لمن يدفع أكثر… السياسة فَسدت، والأحزاب فقدت معناها.
 
هكذا يجد جيل Z نفسه أمام فراغ كامل: لا تمثيل سياسي، لا أفق اقتصادي، لا خدمات أساسية تحفظ كرامته. جيل يخرج من الهامش ليعلن أن الصمت لم يعد ممكنًا.
 
الخلاصة أن الإصلاح لم يعد ترفًا ولا خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة لا مفر منها. وإذا كان الشباب المغربي اليوم يعيش حالة عطش للكرامة والعدالة الاجتماعية، فإن أي حراك محتمل لن يكون عبر قنوات التأطير التقليدية. لكن ما يميز المغرب هو وجود ملكية تستبق الأزمات وتضع اليد على مكامن الخلل. الخطاب الملكي الأخير كان رسالة واضحة للحكومة كي تتحرك بسرعة لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية. وإذا لم تفعل، فإن المبادرة ستظل بيد الملك نفسه، باعتباره الضامن للاستقرار والساهر على مستقبل الأجيال القادمة، وهو الأمل الحقيقي الذي يجب أن يراه كل مغربي.