جلال كندالي: جيل Z وعي رقمي وممارسة سلمية للحقوق الدستورية

جلال كندالي: جيل Z وعي رقمي وممارسة سلمية للحقوق الدستورية جلال كندالي
يشكل شباب الجيل Z اليوم قوة جديدة في المجتمع، يعبرون عن مطالبهم عبر الفضاء الرقمي الذي أصبح منصة أساسية لممارسة حقوقهم، بما في ذلك الحقوق الجديدة في العالم الافتراضي المرتبطة بالخصوصية الرقمية وحرية التعبير ... لكن هذا الوعي الرقمي لم يبق حبيس الشاشة، بل ترجم إلى ممارسة فعلية للحقوق التقليدية على أرض الواقع، من خلال المشاركة المكثفة في الاحتجاجات التي عرفتها العديد من المدن المغربية.
رغم تعرض بعضهم للاعتقالات، لم يقابلوا ذلك بالعنف، بل أظهرت الصور والفيديوهات سلميتهم التامة وإيمانهم بحقوقهم وولائهم لوطنهم.
 على مستوى الشكل والموقف، لم يظهروا أي خوف أو رعب مما حدث وهم يعتقلون، رغم اندهاش البعض، لأنهم يثقون بأن مؤسسات البلاد تحمي حقوقهم، وأن ما قاموا به طبيعي وعادي ويكفله دستور المملكة. 
هذه الممارسة السلمية تعكس وعيهم بحقوق الإنسان الجديدة وقدرتهم على دمجها مع الحقوق التقليدية بطريقة مسؤولة وناضجة.
غالبا ما كان ينظر إلى هذا الجيل بوصفه جيلا انطوائيا، انهزاميا، اتكاليا وغير مسؤول، لكن الواقع ضحد هذا التوصيف المجاني والمجانب للصواب والحقيقة، إذ برهن شباب Z على وعي عميق بمسؤولياتهم الاجتماعية والسياسية، وممارسة حقوقهم بشكل سلمي ومسؤول.
مطالب هذا الجيل تنبع من تراكمات اجتماعية كبيرة، إذ رفعوا شعارات المطالبة بالصحة والتعليم ومحاربة الفساد، وهم مطلعون على التجارب الدولية للشباب في دول ديمقراطية مثل السويد والنرويج... وعلى تجارب آخرين يدافعون عن حقوقهم المشروعة بشكل سلمي.
 شعاراتهم واضحة ومحددة، ولا تتجاوز سقف الدستور، ويقيمون سلوك وتصريحات المسؤولين الحكوميين بعين ناقدة، دون اللجوء للعنف.
وفي هذا السياق، لو كان المسؤولون يناقشون مع أبنائهم من نفس الجيل، لما تفاجأوا بما حدث، ولما تجرأ البعض على اتهام هذا الجيل باتهامات باطلة أو وصفه بأنه يخدم أجندات خارجية.
هذه الاتهامات تتناقض مع الواقع، إذ إن مطالب شباب Z اجتماعية وسلمية ووطنية، وممارستهم للحقوق الرقمية والتقليدية هي رسالة واضحة على وعيهم وانتمائهم للوطن.
هذا الجيل الجديد، رغم أنه ربما لا يعرف فرقة لمشاهب، إلا أنه يتقاطع مع أغنيتها الشهيرة "بغيت بلادي" في مضمونها وعمق رسالتها الوطنية، إذ تعكس الأغنية شعورهم بالمسؤولية تجاه الوطن والرغبة في تغيير واقعهم من خلال التعبير السلمي والممارسة المدنية. كما يتقاطع وعيهم مع أغاني ناس الغيوان مثل "يا أهل الحال، متى يصفى الحال" و"مهمومة"، وأغاني جيل جيلالة مثل "فين حنا"، التي ترسخ شعورهم بالمسؤولية الوطنية والحرص على مستقبل البلاد.
هناك من شدد بعد هذه الاحتجاجات على أهمية تدخل علم الاجتماع لدراسة هذا الجيل وفهم سلوكياته الفردية، لكن العكس هو الذي يجب أن يكون ،أي أن ينصب التحليل على النخب الحاكمة والمؤسسات الرسمية، التي لم تتمكن من التواصل الفعال مع الأجيال السابقة، فكيف لها أن تفهم جيل Z؟ !.
هذه المقاربة تساعد على فهم فجوات التواصل البنيوية والتحديات الاجتماعية والسياسية التي يواجهها الشباب، وتوضح أن مطالبهم ليست مطالب فردية بل تعكس وعيا جماعيا ومسؤولية وطنية.
إدماج الدراسات الاجتماعية لفهم النخب الحاكمة وفجوات التواصل يعد خطوة ضرورية لضمان حوار فاعل وبناء بين الشباب والمؤسسات، وتمكين الجيل الجديد من حقوقه.
شباب Z يمثلون جيلا واعيا، مطلعا على العالم الرقمي، ومتمسكا بحقوقه التقليدية والرقمية. مطالبهم واضحة ومشروعة، وسلوكهم السلمي في الاحتجاجات يجعل منهم نموذجا يحتذى به،  ورسالة مضادة لكل التوصيفات السلبية عنهم، بما يجعل الوطن يفتخر بهذا الجيل الجديد.