في السنوات الأخيرة برزت ظاهرة لافتة داخل المشهد السياسي المغربي، تتمثل في انخراط عدد متزايد من الفنانين والممثلين داخل الأحزاب السياسية، خاصة مع اقتراب كل استحقاق انتخابي.
هذه الظاهرة تثير العديد من التساؤلات حول خلفياتها وأبعادها: هل نحن أمام انخراط نابع من قناعة ومسؤولية؟ أم أمام توظيف ظرفي للشهرة في خدمة أهداف انتخابية ضيقة؟
لقد قدمت بعض التجارب نموذجا إيجابيا يمكن البناء عليه، مثل تجربة الفنان والمثقف ياسين أحجام، الذي التحق بالبرلمان عن قناعة واضحة، مدافعا عن قضايا الثقافة والفن وحرية التعبير، في انسجام مع خلفيته الفكرية والمهنية.
هذا النموذج أبان عن إمكانية تحويل الشهرة إلى أداة تأثير إيجابي داخل المؤسسات المنتخبة.كما شكلت تجربة الفنانة تورية جبران، الوزيرة السابقة للثقافة، دليلا آخر على إمكانية الجمع بين الرصيد الفني الكبير والمسؤولية السياسية.
فقد عُرفت بجرأتها في الدفاع عن قضايا الثقافة والإبداع، وتمكنت من ترك بصمة في تدبير الشأن الثقافي، مما يجعلها نموذجا للفنان الذي يحوّل خبرته ومساره المهني إلى قيمة مضافة في العمل السياسي والمؤسساتي.
في المقابل، أظهرت تجارب أخرى وجها مغايرا، حيث التحاق بعض الفنانين بالأحزاب لم يكن مسبوقا بأي نشاط أو رصيد نضالي أو مواقف سياسية واضحة، ولم يترجم لاحقا إلى أداء تشريعي أو رقابي فعال.
هذه الحالات تضعف مصداقية العمل السياسي وتطرح تساؤلات مشروعة حول جدوى هذا النوع من الترشيحات، التي تبدو أقرب إلى التموضع الانتهازي منها إلى الفعل السياسي المسؤول.تتأكد هذه الصورة أكثر مع بروز أسماء فنية جديدة في أنشطة حزبية بمنطقة الحوز، وهي منطقة تحمل رمزية خاصة بعد الزلزال الأخير الذي جعلها محط اهتمام وطني واسع.
ما يجعل استقطاب الوجوه الفنية هناك يبدو، في نظر الكثيرين، تحركا انتخابيا محسوبا أكثر منه إدماجا للكفاءات في خدمة الصالح العام.
إن تكرار هذا النمط يكشف خللا بنيويا في منطق الترشيحات السياسية بالمغرب، حيث تتحول الشهرة إلى عملة انتخابية سريعة، وتختزل السياسة في بعدها الاتصالي والدعائي بدل أن تكون مشروعا فكريا وتنمويا. وبهذا المنطق تتراجع الديمقراطية التمثيلية، وتفرغ الأحزاب من مضمونها الإيديولوجي والتنظيمي، ليكرس ما يمكن وصفه بـ السياسي العرضي بدل الفاعل المؤطر.
نحن اليوم في حاجة ملحة إلى التمييز بين الفنان الذي يلتحق بالعمل السياسي عن إيمان وقناعة ومسؤولية حقيقية، وبين الفنان الذي يستثمر فقط كواجهة انتخابية في لحظة ظرفية.
هذا التمييز ضروري لصون مصداقية الفعل السياسي، ولضمان أن تظل الثقافة والفن رافدا يغني الحياة السياسية ولا يحولها إلى مجرد عرض مسرحي انتخابي عابر.