بدايةً، لابد من تقديم الشكر للمجلس الاقتصادي والاجتماعي على إصداره هذا الرأي بشأن "آلية تعديل الكربون على حدود الاتحاد الأوروبي وتأثيرها على الصادرات المغربية"، ليكون أول رأي استشاري رسمي يصدر في الموضوع، وعلى نقله على المباشر لجلسة تقديمه مع نشر وثائقه. وقد كنتُ شخصياً أنتظر أن يكون إصداره بطلب من الحكومة، ولكن وجدناه قد تم وفق إحالة ذاتية، وهو ما يُنَوَّه به حتى وإن جاء متأخراً بالنظر إلى دنو موعد تفعيل الاتحاد الأوروبي لهذا الميكانيزم، والذي سيدخل حيّز التنفيذ الفعلي والتام فاتح يناير 2026.
الرأي الذي جاء بمنهجية محكمة ومبسطة مكَّن بدايةً من تحقيق هدف بيداغوجي تعريفاً بآلية لم تنل حظها –مع الأسف– من التناول الإعلامي وفي النقاش العمومي تعريفاً وتحسيساً حتى لدى الأطراف المعنية مباشرة. وقد كانت كلمة رئيس المجلس وعرض المقرر دقيقة ووافية.
من حيث المضمون، فقد كشف الرأي بشكل صريح أحياناً وضمني أحياناً أخرى العديد من نواقص الإعداد القبلي والاستباقي لمجابهة هذا التحدي الجديد، مؤكداً ما كنا نحذر منه منذ مدة كمتابعين للموضوع، وما جاء في توصيات التكوين الذي نظمناه بهذا الخصوص في إطار جمعية الفتح للثقافة والتنمية الصيف الأخير، وانخرط فيه إعلاميون وباحثون وجمعويون.
وللإشارة، فالوزراء المعنيون في الحكومة ظلوا يُهوِّنون من الأمر في كل مناسبة، ويؤكدون على أنه سيمثل فرصاً هامة لبلادنا بخصوص مساعي خفض الكربون في الاقتصاد الوطني، وذلك صحيح حقيقة، ولكن شريطة أن يتم تحضير قواعد وأُسُس استثمار تلك الفرص. والواقع غير ذلك إطلاقاً كما أكده رأي المجلس، حيث كشف على أنه في غياب الجاهزية ستتحول الآلية الأوروبية إلى عقبة أمام الولوج إلى السوق الأوروبية بسبب المتطلبات البيئية وما تفرضه من تعقيدات إدارية وأعباء مالية إضافية على المصدّرين والفاعلين الصناعيين المغاربة، ومما سيتعمق أكثر في حالة توسيع مجال تطبيق الميكانيزم ليشمل منتجات أخرى لاحقاً أو يشمل الانبعاثات الغازية غير المباشرة وانبعاثات الأنشطة البعدية التي تلي الأنشطة المدرجة وتتصل بها بعدياً في سلاسل الإنتاج. كما سيتعمق أكثر في حالة تبنّي دول أو مجموعات أخرى لميكانيزمات مماثلة، وكل هذه الافتراضات جد متوقعة وبعضها معلن ومقرر أصلاً.
وقد أورد المجلس أوجهاً وتجليات لعدم الجاهزية الفعلية هذه، منها ما يمثل عوامل محددة وحاسمة لا يمكن من دون تحقيقها وتوفيرها الحديث عن أي إمكانية لمجابهة هذه الآلية ولا لاستثمار فرصها، ومن ذلك:
كون عملية احتساب الانبعاثات عملية تقنية معقدة، تستلزم تجميع بيانات دقيقة حول مراحل سلسلة الإنتاج، وتحديد العوامل المتسببة في الانبعاثات ذات الصلة، مع مراعاة خصوصيات كل منتَج وسلسلة إمداده، هذا مع العلم أن الفاعلين الصناعيين الذين جرى الإنصات إليهم من طرف لجنة المجلس أكدوا غياب الموارد البشرية المؤهلة القادرة على الاستجابة للمعايير الأوروبية الخاصة باحتساب الانبعاثات.
مع غياب هذه الموارد البشرية المؤهلة نجد أيضاً أن كلفة إنجاز الحصيلة الكربونية تبقى مرتفعة حسب المقاولات الصناعية الوطنية، وتؤثر سلباً على قدرتها التنافسية داخل السوق الأوروبية.
هذا، وفي غياب حصيلة كربون معتمدة، وتعذُّر على المستورد التصريح بالانبعاثات الكربونية المرتبطة بالواردات وإعداد تقرير آلية تعديل الكربون على الحدود، يعتمد المراقبون الأوروبيون قيماً افتراضية يحددها الاتحاد الأوروبي بحسب نوع المنتج أو بلد المنشأ، استناداً إلى معدلات الانبعاث في أكثر المنشآت الأوروبية تلويثاً.
أيضاً، كون الاستثمارات اللازمة لتأهيل البنية الصناعية لمتطلبات إزالة الكربون تشكل عبئاً مالياً إضافياً على المقاولات الصناعية الوطنية، مما سيكون له تأثير سلبي على المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
محدودية ولوج المقاولات الصناعية المعنية بآلية تعديل الكربون على الحدود إلى الكهرباء المنتَجة من مصادر متجددة أو إلى الغاز الطبيعي المصنف كوقود انتقالي من أبرز الإشكاليات المطروحة.
كون المغرب لم يرسِ بعدُ نظاماً وطنياً متكاملاً خاصاً بالقياس، بما يتوافق مع المعايير الدولية، ويتيح تتبُّع التقدم المحرز والتصريح والتحقق من الانبعاثات بدقة.
كل هذه الملاحظات تؤكد خصوصاً غياب الأساس التقني اللازم لمجابهة تداعيات الميكانيزم الأوروبي الجديد.
هذا، وبالرغم من ذلك، فقد تحدث عن الجهود المؤسساتية والتشريعية التي تبنتها بلادنا في إطار سياسة المناخ عموماً، وأيضاً مع جرد مجموعة من الخطوات المتخذة فعلياً بهذا الخصوص سواء من طرف المعهد المغربي للتقييس أو من طرف الاتحاد العام لمقاولات المغرب أو فاعلين آخرين، والتي تبقى محدودة رغم ذلك.
ولكن في المقابل، فإن تقرير المجلس جاء بالعديد من التوصيات التي يمكن، إن تم الأخذ بها مستقبلاً من طرف الحكومة وباقي الفاعلين، أن يتم التخفيف من وطء وآثار غياب تخطيط استباقي محكم لمواجهة هذا الوضع، ومنها نسجل:
إحداث آلية وطنية لمواكبة تنفيذ آلية تعديل الكربون على الحدود.
إحداث صندوق خاص لدعم ومواكبة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما تلك المصدّرة إلى الاتحاد الأوروبي.
التخفيف من كلفة إنجاز حصيلة انبعاثاتها الكربونية وفقاً لمتطلبات آلية تعديل الكربون على حدود الاتحاد الأوروبي.
دعم استثماراتها الموجهة إلى إزالة الكربون من الأنماط الصناعية.
إحداث مسارات تكوينية متخصصة لتطوير الكفاءات في قياس الحصيلة الكربونية، على المستوى الجامعي، والتكوين المهني، والتكوين المستمر.
تسريع استخدام الطاقات المتجددة على الصعيد الوطني، وضمان ولوج جميع المقاولات إلى الكهرباء الخضراء مع تتبع دقيق لمسار التزويد، لاسيما على مستوى الجهد المتوسط.
تسريع الانتقال إلى الغاز الطبيعي لفائدة الصناعات المعنية بالآلية بهدف تقليص اعتمادها على الطاقات الأحفورية الأخرى عالية الانبعاثات.
التعجيل بمباشرة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن الحصول على الاعتماد الأوروبي للنظام الوطني للتحقق من انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بآلية تعديل الكربون.
إنجاز دراسات معمقة، بتشاور مع جميع الأطراف المعنية، حول تأثيرات أدوات تسعير الكربون المختلفة (ضريبة الكربون أو نظام تداول حصص الانبعاثات).
على المدى المتوسط، دراسة إمكانية تطوير نظام وطني لتداول حصص الكربون بتشاور مع الأطراف المعنية.
تعزيز التعاون المغربي-الإفريقي من أجل تطوير قدرة تفاوضية إقليمية مشتركة بخصوص آلية تعديل الكربون على الحدود.
أحمد صدقي: مهتم بالسياسات البيئية والمناخية