مصطفى المصموضي : وضعية المتصرف في ظل أزمة الاتحاد الوطني للمتصرفين

مصطفى المصموضي : وضعية المتصرف في ظل أزمة الاتحاد الوطني للمتصرفين مصطفى المصموضي 
تعد الإدارة إطارا تنظيميا مركزيا في تنزيل السياسات العمومية التي تنتهجها الدولة، ولتسهيل القيام بمهامها تعمل على توزيع الأدوار بين مكوناتها عبر نموذج متفق على بنيته. وعليه تعتبر الإدارة وسياسة الدولة وجهان لعملة واحدة تعكس القيم والمبادئ المؤسسة لها.
 
ويعتبر المتصرف جزء لا يتجزأ من هذه البنية، إذ شكل منذ تأسيس الإدارة المغربية الحديثة محور تنزيل وتنفيذ السياسات العمومية بمساعدة باقي الأطر الإدارية والتقنية الأخرى المشكلة للعمود الفقري للبنية الإدارية المغربية. ويستشف هذا الدور من المهام الموكلة له بمقتضى القوانين المنظمة لهذه الهيئة منذ بداياتها، بمقتضى الظهير الشريف رقم 038-63-1 الصادر في 5 شوال 1382 (فاتح مارس 1963) والمتعلق بالنظام الخاص لمتصرفي وزارة الداخلية كأطر مؤسسة للإدارة الترابية وتجربة اللامركزية، وكذا بمقتضى المرسومين 344.62.2 و345.62.2 الصادرين بالجريدة الرسمية عدد 2648 بتاريخ 26 يوليوز 1963. حيث تم لاحقا تجميع هذا الإطار الوظيفي ضمن هيئة المتصرفين المشتركين بين الوزارات بمقتضى مرسوم رقم 2.06.377 صادر في 20 من ذي القعدة 1431 (29) أكتوبر 2010.
إن الوجود الإداري للمتصرفين يمكنهم من تقييم وتنزيل السياسات العمومية، كما ان حضورهم كنخبة إدارية ذات مسار أكاديمي جامعي يجعلهم اجتماعيا ضمن الطبقة المتوسطة انسجاما مع التصنيف الطبقي للموظفين لدى اغلب المجتمعات. ويجسد هذا التموقع الطبقي الموضوعي ركيزة التوازن الاجتماعي، من خلال دورهم المساهم في انتاج منظومة القيم إداريا واجتماعيا. إضافة إلى دورهم الاقتصادي البنيوي كباقي الموظفين في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي نظرا لدور الوساطة الاقتصادية المباشرة بين خزينة الدولة والسوق الاستهلاكية التي تسمح بضخ سيولة مباشرة في شرايين الاقتصاد عبر أجورهم، ويعتبر ارتفاع مستوى الاستهلاك والمعيشة لدى الموظف عامة وهذه الفئة خاصة مؤشرا على مستوى التنمية، إضافة إلى دورها الاقتصادي والاجتماعي لها دور سياسي مهم حسب رؤية المفكر مهدي عامل يحدده تموضعهم واصطفافهم داخل الصراع الاجتماعي. 
في هذا السياق النظري أضحت هذه الفئة تعيش وضعا اقتصاديا صعبا نتيجة التضخم الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة مع ضعف أجورها مقارنة بالفئات الإدارية التي يتشاركون معها في نفس الأرقام الاستدلالية، وهو ما يعكس محاولة الطبقة السائدة المكونة من رجال الاعمال – او الشناقة – لضرب مصالح هذه الفئة عبر حرمانها من الدرجة الجديدة وتقليص دورها الإداري في المقابل تشجيع فئات أخرى من خريجي المدارس والمعاهد الخاصة تربطها مصلحة تقنية وتمثيلية بالجسم الحكومية، مما أدى إلى:
تراجع دور المتصرف إداريا، تراجع مستواه المادي والمعيشي، تراجع رمزيته الاجتماعية.
هذه القهقرة الطبقية إن صح التوصيف، عبر دفعهم من طرف الطبقة السائدة نحو أسفل السلم الاجتماعي خلق لدى أغلبهم احتراقا وظيفيا، يؤثر لا محالة على أدائهم الوظيفي.
في ظل هذا الواقع المرير، تأسس الاتحاد الوطني للمتصرفين كإجابة موضوعية عن الوضع مرتكزا على مبادئ الاستقلالية. الوحدة. التضامن والديموقراطية، مبادئ بقيت نظرية أكثر منها واقعية. فمبدأ الاستقلالية لم يتحقق واقعيا في ظل محاكاته لتجربة نقابية سابقة في إرساء بنيته التنظيمية عبر تبني هيكلة مكونة من المكتب التنفيذي واللجنة الإدارية والمجلس الوطني، يستشف منها ارتباط لا شعوري بهذه التجربة النقابية واتضح من خلال ممارسات الجهاز التنفيذي للاتحاد وتركيبته. أما بخصوص مبدا التضامن كمبدأ عميق وشامل لم يسجل أي تعبير عن التضامن مع القضايا الوطنية او الدولية طيلة مدة اشتغال مكتبه التنفيذي. اما مبدا الديموقراطية فلم يخرج عن الوضع العام الذي تعيشه اغلب التنظيمات النقابية. فباستثناء انعقاد بعض الاجتماعات الدورية للمكتب التنفيذي لم نعلم بانعقاد لا لجنة إدارية ولا مجلس وطني كجهازين تقريريين.
 ولغرابة الوضع يجب الاشارة أن تجربة الاتحاد استثناء تاريخي في عمر التنظيمات بالمغرب، لكن إذا ظهر السبب بطل العجب فالاتحاد تم تأسيسه بمحاكاة لتنظيمات نقابية لا يتغير امينها العام سوى بوفاة الزعيم غير ان هذه المرة مات الاتحاد وبقي الزعيم/ة.
هذا الوضع العام البئيس تنظيميا وقيميا الذي عرفته تجربة الاتحاد من بين الأسباب التي دفعت حكومات الاوليكارشية الاقتصادية للهجوم على دور المتصرفين و مصالحهم، بل ساهم فيه الاتحاد عبر بعث رسائل خاطئة من خلال  ترويج مكتبه التنفيذي لمقترح مشروعه لتغيير مرسوم رقم 2.06.377 لسنة 2010، تم تضمينه مقترح حرمان أصحاب شهادة الاجازة من الولوج الى هيئة المتصرفين عبر اعتماد شهادة الماستر كشرط لولوج هذا الاطار على غرار هيئة المهندسين، في حين كان من الاجدى تضمين شروط و حقوق مشابهة لإطار المنتدب القضائي، الذي يسمح بولوجه حاملي شهادة الاجازة، باعتبارها الفئة الأقرب  للمتصرف لاشتراكهما في نفس مسار التكوين الجامعي دون جعل شهادة  الماستر شرطا و نحن  نعلم جيدا ان اغلب الحاصلين عليها سلكوا المنهج القليشي في ذلك. 
هو هجوم في سياق عام يهدف ضرب الحق في الوظيفة العمومية والحق في مجانية التعليم وخصوصا التعليم الجامعي. فالعلاقة وطيدة بين هذا الثلاثي لضرب حق أبناء الطبقات الشعبية في الترقي الاجتماعي. هي نفس العلاقة بين تهميش إطار المتصرف خريج تكوين أكاديمي بالجامعة المغربية والقضاء على هذه الجامعة التي يلجها أبناء الطبقات الشعبية للحصول على شواهد تؤهلهم لولوج هذه الوظائف.
لقد ولد الاتحاد الوطني للمتصرفين بدون هوية وبدون تصور فكري واضح يتيح له إمكانية التأثير في الاحداث وتموقع صحيح في بنية الصراع الاجتماعي/ الطبقي. ولتجاوز هذا الوضع المأزوم يحتاج الاتحاد الى قراءة جديدة للواقع، استنادا على مبدا التحليل الملموس للواقع الملموس.  فالطبقة السائدة بالمغرب تعمل على دفع فئة المتصرفين نحو أدني السلم الاجتماعي، وإجلائهم من وجودهم الطبقي الموضوعي بالطبقة الوسطى. هذا الواقع يفرض رد فعل واعي وبناء تحالفات موضوعية تقدم إجابات شمولية على كل الدوافع والنتائج لهذه السياسة المنتهجة ضد إطار المتصرفين ومن خلاله الجامعة المغربية. ويمكن أن يكون تحالف افقي اتجاه الإطارات الديموقراطية المناضلة صاحبة تصورات مقاومة نقابية وسياسية وحقوقية وتنظيمات المعطلين حاملي الشهادات والحركة الطلابية بعيدا عن التسول الحزبي الذي انتهجته القيادة المنتهية، من أجل خلق وعي جماعي بالمصالح المشتركة لكل هذه التمثيليات النضالية فلدينا في تجربة الاتحاد الوطني للمهندسين أفضل مثال في بنية قياداتها المنتخبة ذات وجود سياسي واضح عكس قيادة الاتحاد المكتفية بوجودها الوظيفي المحض دون امتداد فكري او تنظيمي وبدون غطاء فكري واضح.
خلاصة القول ان سياق تهميش المتصرف واضح ولا يمكن مواجهته إلا بخلق سياق موازي يجيب على كل الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المرتبطة بهذه الفئة، ويعيد الاعتبار للجامعة المغربية والحق في الوظيفة العمومية كركيزة للعدالة الاجتماعية.