ادريس الفينة: ترامب وخدعة الطاقات المتجددة!

ادريس الفينة: ترامب وخدعة الطاقات المتجددة! الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
خطاب دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يكن إعلانًا علميًا بقدر ما كان تثبيتًا لبنية مصالح وسياسات يريد لها شرعية دولية. وصفُه تغيّر المناخ بأنه أكبر خدعة، وهجومه على الرياح والشمس باعتبارهما مكلفتين وغير موثوقتين، ينسجمان مع شبكة دوافع متراكبة: 
 
أولها تبادل منفعة مع اصحاب صناعة النفط والغاز التي وفرت دعمًا ماليًا وسياسيًا مقابل وعود بإضعاف سياسات المركبات الكهربائية ومشروعات الرياح، وتسريع تصاريح الغاز المسال وخطوط الأنابيب. 

ثانيها أجندة حكم مُعدّة سلفًا في منصات فكرية محافظة تدعو إلى تفكيك البنية التنظيمية المناخية، والانسحاب من اتفاق باريس، وإعادة توجيه وزارة الطاقة نحو التسييل والتصدير باعتبارهما عنوانًا لسيادة الطاقة. 
 
ثالثها تغير السياق القضائي بعد إلغاء مبدأ تشيفرون الذي كان يحمي صلاحيات الوكالات، ما يسهّل محاولة سحب أساس وكالة حماية البيئة لتنظيم غازات الدفيئة، ويحوّل خطاب الخدعة إلى غطاء تعبوي لخطوات تنظيمية عالية الأثر. 
 
رابعها ورقة الأمن القومي وسلاسل التوريد: تصوير الانتقال الأخضر كاستسلام للصين التي تهيمن على مكونات الألواح والبطاريات، ثم فرض تعريفات ورسوم ترفع كلفة التقنيات النظيفة نفسها، لتغذية الخطاب القائل إن البديل الأحفوري هو الطريق الأقصر إلى الاستقلال. 

خامسها استثمار الاضطرابات الظرفية في الطاقة لتعميم حكمٍ شامل: إلغاء بعض مشروعات الرياح البحرية وتوتر سلاسل الإمداد في 2023–2024 استُخدما لتصوير القطاع ككل على أنه فاشل، مع تجاهل اتجاهات الكلفة التي واصلت الانخفاض وتقنيات التخزين التي تحسّن دمج المتجدّدات. 
 
سادسها قفزة الطلب الكهربائي المرتبطة بمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، والتي تُقدَّم كحجة عملية لصالح الغاز بوصفه مرنًا وسريع النشر مقارنة باستثمارات الشبكات والتخزين، رغم أن سيناريوهات رصينة تُظهر إمكان تلبية الطلب عبر تسريع البنية والمرونة. 
 
سابعها اعتبارات السياسة الداخلية: قاعدة انتخابية في ولايات منتجة للأحفوري، وأنماط تصويت ترى سياسات المناخ عبئًا اقتصاديًا وثقافيًا، ما يجعل ربط فواتير الأسر بـ“الأجندة الخضراء” أداة تعبئة ناجعة. 

وثامنها إعادة تعريف الالتزامات الدولية والتمويل متعدد الأطراف، حيث يمنح تقليص التعهدات المناخية مساحة مالية ورسالة سيادية متسقة مع الخطاب السياسي السائد. 

بهذه العناصر يصبح خطاب نيويورك غلافًا دوليًا لبرنامج محلي: تحالف تمويلي، وتفكيك تنظيمي، وضغط تجاري، ورسالة شعبوية موحِّدة. أما الواقع الاقتصادي الأوسع فيشير إلى أن كلفة الكيلوواط المنتج من الشمس والرياح باتت في أسواق عديدة الأرخص أو شديدة التنافس، وأن التحدي الحقيقي يكمن في استكمال المنظومة باستثمارات في الشبكات والتخزين وإدارة الطلب، وحماية الفئات الهشّة بسياسات تعرفة وتمويل عادلة. 

سيبقى الوقود الأحفوري حاضرًا في قطاعات صعبة وإلى حين، لكن السؤال الذي يحسم المسار ليس إنكار الانتقال أو إعلانه، بل وتيرته وجودته وإدارة مخاطره، لأن الطاقة الأرخص حقًا هي التي تصل عند الحاجة بأقل كلفةٍ وعدم يقين. وهنا تتفوّق السياسات الذكية على الشعارات، وتُقاس بالنتائج لا النوايا المتحمّسة. على أرض الواقع.