علينا أن نفرح جميعاً في هذا الشهر الكئيب.. لأن لا شيء مع هذه الحكومة يدعو للقلق: التعليم بخير كما يقال، ومدرسة الريادة عندنا صارت أسطورة تفوق مدارس أوروبا.
الجامعة تعيش أبهى لحظاتها مع نظام بيداغوجي وُلِد في غفلة صيف، كما لو أن الإصلاح يمكن أن يكون وليد عطلة عابرة.
أما الصحة.. فمسرح آخر من مسارح الطمأنة..
وزير جاء من المقاولة ليجرب حظه في علاج الأجساد المتهالكة.. يطير من مدينة إلى أخرى كما لو كان رسولًا منهكًا، يُعفي مسؤولًا هنا، ويزور قسمًا هناك. وأنا شخصيًا أشفق عليه.. لأن البلاد واسعة، والمستشفيات مثخنة بالعجز، تكاد تصرخ بأن الحل ليس في الترحال، بل في إعادة بناء ما تهدّم من الداخل.
ومع ذلك.. علينا أن نفرح أكثر..
فالحكومة وعدتنا، ووعدها نافذ: لا أحد اليوم يفكر في الهجرة، لأننا أحرقنا القوارب خلفنا.
نحن أوفياء لهذا الفرح المعلّب، نستعد لإعادة انتخابها لأنها جعلتنا نكتشف أن الفرح قد يكون خدعة بصرية.. يكفي أن نغلق أعيننا كي لا نرى ما فعلته.
الفرح الذي بشّرتنا به الحكومة يشبه زمنًا بلا معنى: أعياد بلا بهجة، عطلات بلا روح، بطالة مزمنة، برلمان يُدار كغرفة تسجيل، نقابات صامتة، وإعلام يخلط بين الوطن والحكومة كما يخلط عاشق بين الحب والوهم.
مع هذه الحكومة تعلمنا أن الولاء أقوى من الكفاءة.. وأن الطريق إلى المناصب ليس مفروشًا بالشواهد ولا بالخبرة، بل بسطور من الطاعة ورقصات متواصلة على إيقاع التطبيل..
كان بيننا وزير للتعليم العالي، أقنع طلبة الطب بالبقاء في الوطن، ثم رحل هو نفسه إلى الخارج.. قدوة مُنكَسرة تفضح لنا أن التعليم في خطر.. كما الصحة.. وأن القطاعات حين تُترك للمقامرين بالسياسة تتحول إلى ألغام تهدد السلم الاجتماعي.
لا نريد أن ندفع بالأمني ليواجه أخطاء وزراء عابرين.. لا يليق أن يسدد الأمن فاتورة سياسي فاشل.
وهذه الحكومة.. ومعها بعض وزرائها.. مدعوون إلى الرحيل بصمت. ونحن البرلمانيين أيضًا علينا أن نغادر معهم، لعل مرحلة انتقالية تُعيد الثقة للمواطن في السياسة.. وإلا، سنجد أنفسنا أمام انتخابات بلا مصوتين.. حيث الملل واليأس هما شعار المرحلة.
قال جلالة الملك: المغرب يسير بسرعتين.. والحقيقة أن قطار هذه الحكومة بلغ نهايته.. آن له أن يتوقف.. ولنا أن ننزل جميعًا من عرباته، ونعترف أننا فشلنا.
ليس الفشل عيبًا.. بل لحظة صدق تُعيد الطمأنينة إلى الناس بأن السياسة لم تُخلق للقتل بل للبناء.
ختامًا..
وزير الصحة أعفى بعض المسؤولين، لكنهم سيُعاد تدويرهم في لعبة المناصب.. الحقيقة أن المستقيل يجب أن يكون الوزير نفسه.. بل نحن جميعًا.. كي لا نزعم بطولة لا نملكها..
كل شتنبر ونحن نكتب اعترافًا آخر بأن الفرح مع هذه الحكومة لم يكن سوى قناعًا للحزن الكبير…