عبد الرفيع حميدي: الشباب بين الانتظارات ورهانات الانتخابات.. هل آن أوان سياسة وطنية مندمجة؟

عبد الرفيع حميدي: الشباب بين الانتظارات ورهانات الانتخابات.. هل آن أوان سياسة وطنية مندمجة؟ عبد الرفيع حميدي
مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية القادمة، يعود سؤال الشباب إلى الواجهة كيف يمكن إدماج هذه الفئة التي تشكل أكثر من ثلث المجتمع في مشروع وطني جامع؟ وهل تستطيع الأحزاب والفاعلون السياسيون الانتقال من لغة الوعود الفضفاضة إلى سياسة عمومية مندمجة قادرة على استعادة الثقة؟
 
شباب خارج المعادلة
رغم الخطابات الرسمية المتكررة حول "أهمية الشباب"، فإن الواقع يكشف عن مفارقة صارخة نسب بطالة مرتفعة، هجرة متزايدة للكفاءات، عزوف سياسي يتجسد في ضعف المشاركة الانتخابية، وأزمة ثقة عميقة تجاه المؤسسات الحزبية
الشباب اليوم لا يطالب فقط بفرص شغل أو ولوج إلى خدمات أساسية، بل يبحث عن معنى، عن موقع داخل القرار العمومي، وعن اعتراف بدوره كمحرك للتغيير.
 
سياسة مندمجة بدل الحلول الترقيعية
أثبتت التجارب السابقة أن البرامج الموجهة للشباب في المغرب كثيرًا ما جاءت مجزأة ومتقطعة، تغيب عنها الرؤية الاستراتيجية، وتتوزع بين مبادرات تشغيلية محدودة، أو دعم ثقافي ورياضي موسمي هذا الطابع القطاعي جعل أثرها ضعيفًا ومشتتًا، وأبعدها عن طموحات الشباب الذين يشكلون الرأسمال البشري الأكبر في البلاد.
 
اليوم، لم يعد مقبولًا الاستمرار بنفس المنطق، إذ يفرض السياق الوطني والدولي الانتقال نحو سياسة وطنية مندمجة للشباب، قائمة على التنسيق بين القطاعات الحكومية، والانسجام مع السياسات الجهوية، وربط المسؤولية بالمحاسبة في كل الملفات ذات الصلة.
 
هذه السياسة يمكن أن تقوم على خمسة محاور مركزية
الإدماج الاقتصادي المدخل الأساس لتمكين الشباب، إذ لا يمكن الحديث عن مواطنة كاملة دون ضمان فرص عمل كريمة ومستدامة. ويتطلب ذلك دعم المقاولة الشبابية الناشئة عبر توفير تمويلات مرنة ومساطر مبسطة، تسمح للشباب بتحويل أفكارهم إلى مشاريع منتجة. كما يقتضي تطوير التكوين المهني وربطه بشكل مباشر مع حاجيات سوق الشغل، بما يعزز التشغيلية ويقلص الفجوة بين العرض والطلب إلى جانب ذلك، يبرز الاستثمار في الاقتصاد الرقمي والأخضر كخيار استراتيجي، يفتح آفاقًا جديدة أمام الشباب ويخلق وظائف ذات قيمة مضافة، تواكب التحولات العالمية وتستجيب لرهانات التنمية المستدامة.
 
التمكين السياسي أحد الشروط الضرورية لإدماج الشباب في الحياة العامة، فبدون حضورهم في مواقع القرار يبقى الحديث عن الديمقراطية ناقصًا ويبدأ ذلك بخفض سن الترشح للانتخابات بما يتيح دخولًا مبكرًا للشباب إلى المؤسسات المنتخبة، وتراكمًا في التجربة السياسية كما يستلزم تخصيص آليات واضحة داخل الأحزاب، والبرلمان، والجماعات الترابية لضمان حضور فاعل للشباب، ليس فقط كأعضاء عددٍ، بل كقوة اقتراحية مؤثرة في السياسات العمومية وإلى جانب ذلك، تبرز أهمية تعزيز التربية المدنية منذ المدرسة والجامعة لترسيخ قيم المشاركة والحوار والمسؤولية، حتى يتحول الانخراط السياسي من فعل ظرفي إلى ثقافة مجتمعية راسخة تقطع مع العزوف واللامبالاة.
 
الثقافة والهوية تشكلان ركيزة أساسية في بناء شخصية الشباب وتعزيز انتمائهم، لذلك يظل من الضروري إحداث دور شباب حديثة تواكب تطلعات الجيل الجديد، من حيث التجهيزات والبرامج، وتكون فضاءات مفتوحة للتفاعل والتكوين كما ينبغي توفير فضاءات حرة للإبداع والابتكار الفني والفكري، تسمح للشباب بالتعبير عن طاقاتهم واختبار قدراتهم في مختلف المجالات وإلى جانب ذلك، تكتسي برامج التبادل والانفتاح الثقافي أهمية قصوى، إذ تمكن من صون الهوية الوطنية بما تحمله من قيم أصيلة، مع الانفتاح في الآن ذاته على التجارب الإنسانية المتنوعة، مما يمنح الشباب أفقًا أوسع وقدرة أكبر على الإسهام في مجتمع معاصر ومتعدد.
 
الصحة أساسًا لبناء شخصية متوازنة ومندمجة في المجتمع، فالشباب اليوم يواجهون ضغوطًا اقتصادية واجتماعية متزايدة تترك آثارًا عميقة على توازنهم النفسي لذلك يكتسي إحداث مراكز للمرافقة النفسية والاجتماعية لفائدتهم أهمية قصوى، إلى جانب دعم برامج الرياضة والصحة البدنية باعتبارها مدخلًا وقائيًا ضد الهشاشة النفسية والاجتماعية كما أن إدماج مقاربة الصحة العقلية في السياسات العمومية الموجهة للشباب لم يعد ترفًا، بل ضرورة تفرضها التحديات الراهنة لضمان جيل أكثر عافية وقدرة على الإنتاج والمشاركة.
 
أما الرقمنة والابتكار، فهي البوابة الأساسية لإدماج الشباب في عالم سريع التحول فتمكينهم من أدوات العصر الرقمي، عبر التكوين في مجالات كالذكاء الاصطناعي والبرمجة والاقتصاد التشاركي، يفتح أمامهم آفاقًا مهنية جديدة ويعزز قدرتهم على المنافسة كما أن إحداث منصات رقمية تفاعلية للتواصل بين الشباب والمؤسسات العمومية يساهم في ردم فجوة الثقة، ويجعل الشباب جزءًا فاعلًا من صناعة القرار وإلى جانب ذلك، فإن دعم المبادرات الشبابية المبتكرة التي تربط بين التكنولوجيا والتنمية المجتمعية يضمن أن تتحول الرقمنة من مجرد أداة تقنية إلى رافعة للتغيير الاجتماعي والإبداع الوطني.
 
بهذا الشكل، تصبح السياسة الوطنية للشباب ليست مجرد برامج ظرفية، بل إستراتيجية أفقية وعمودية، قادرة على استيعاب طموحات جيل كامل، وإعادة الثقة بين الشباب والدولة.
 
الانتخابات: فرصة أم امتحان؟
إذا كانت الانتخابات المقبلة محطة لتجديد المؤسسات، فهي أيضًا امتحان حقيقي لمدى قدرة الأحزاب على تقديم أجوبة مقنعة للشباب فبدون سياسة مندمجة واضحة، يصبح الحديث عن "تجديد النخب" مجرد شعار انتخابي سرعان ما يتبخر بعد إعلان النتائج.

اليوم، لا يكفي أن تُدرج كلمة "شباب" في البرامج الانتخابية، بل المطلوب هو تصور عملي، بآليات تمويل واضحة، ومؤشرات تقييم دقيقة، تُمكّن الشباب من محاسبة الفاعلين السياسيين على وعودهم.
 
من علي يعتة إلى "مؤثري الفيسبوك"
في هذا السياق، يبرز مثال دالّ: لم يكن غريبًا أن يفرح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بترشيح مايسة سلامة الناجي للانتخابات المقبلة فرحته لم تكن فقط بترشيح اسم جديد، بل بما اعتبره ضمانًا مسبقًا لمقعد برلماني بفضل الامتداد الافتراضي للسيدة فيسبوكيًا وإعلاميًا. غير أن هذه الفرحة، التي حاول أن يُظهرها كإضافة نوعية للحزب، تخفي في العمق مرارة عجزٍ متراكم عجز عن تكوين وتأهيل جيل حزبي شاب قادر على خوض غمار الاستحقاقات
لم يكن ترشيح مايسة سلامة الناجي حدثًا عابرًا، بل هو علامة فارقة تكشف عن التحولات العميقة التي تعرفها الحياة الحزبية المغربية فبين زمن كان فيه التقدم والاشتراكية يربك الدولة بمذكرات إصلاحية جريئة، وزمن يبحث فيه الحزب عن مؤثرين افتراضيين لضمان مقاعد انتخابية، تتجسد أزمة السياسة في أوضح صورها عجز عن تجديد النخب، وافتقار إلى مدرسة قادرة على إنتاج قيادات طبيعية من داخل صفوفها.
 
حزب يساري سليل علي يعتة، الذي كان يومًا يقدّم مذكرات إصلاح دستوري فتقوم لها السلطة وتقعد، يجد نفسه اليوم مضطرًا إلى استيراد أسماء جاهزة من فضاء التواصل الاجتماعي لتعبئة أصوات انتخابية هذه المفارقة تفضح هشاشة البنية الداخلية للحزب، وتطرح أسئلة محرجة حول أزمة التكوين والتأطير الحزبي.

أين هي المدارس الحزبية التي طالما تغنّى بها اليسار؟ أين هي البرامج التي كان يفترض أن تُفرز كوادر طبيعية من أبناء الحزب؟ أم أن الرهان صار على "المؤثرين" بدل "المناضلين"؟
 
الوجه الآخر للسياسة الانتخابية
اختيار أسماء ذات حضور في الوسائط الاجتماعية قد يبدو للبعض براغماتية سياسية مبررة في زمن انحسار المشاركة الانتخابية. لكن الخطر هو أن يتحول الأمر إلى قاعدة جديدة أن يصبح معيار الترشح هو عدد المتابعين بدل رصيد التجربة أو الالتزام السياسي.

بهذا المعنى، يسقط الحزب في تسليع السياسة، حيث تتحول اللائحة الانتخابية إلى ما يشبه "بازار تأثير"، بدل أن تكون تعبيرًا عن مدرسة فكرية ومشروع مجتمعي.
 
المفارقة مؤلمة حزبٌ كان يُحسب له ألف حساب في النقاشات الدستورية والحقوقية، يتحوّل اليوم إلى باحث عن "أسماء جاهزة" للظفر بمقاعد انتخابية هذا الانزلاق لا يخص فقط حزب التقدم والاشتراكية، بل يعكس أزمة أوسع تعيشها الحياة الحزبية المغربية غياب التجديد الداخلي، ضعف آليات تكوين الأطر، والارتهان لحسابات انتخابية ضيقة.
 
خاتمة: عقد اجتماعي جديد أم إفلاس حزبي؟
إذا كان مستقبل المغرب مرهونًا بقدرة الدولة والأحزاب على بلورة سياسة وطنية مندمجة للشباب، فإن ما يجري داخل بعض الأحزاب يكشف الوجه الآخر للأزمة إفلاس داخلي يدفعها إلى البحث عن "المؤثرين" بدل الاستثمار في مناضلين شباب قادرين على حمل المشعل.

وبين خطاب الالتزام التاريخي والواقع الانتخابي الراهن، يظهر بوضوح أن الشباب سيظلون خارج المعادلة ما لم يتحولوا إلى قوة ضغط حقيقية تفرض عقدًا اجتماعيًا جديدًا، يعيد الاعتبار لدورهم كمحرك مركزي للتغيير والديمقراطية.