عبد الحي السملالي: نقد الخطاب الإعلامي العربي حول قمة الدوحة

عبد الحي السملالي: نقد الخطاب الإعلامي العربي حول قمة الدوحة عبد الحي السملالي
تُعقد اليوم، الإثنين 15 سبتمبر 2025، قمة الدوحة في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما خلّفه من تداعيات إنسانية وسياسية في المنطقة. وقد سبقت هذه القمة موجة من المقالات الإعلامية العربية التي بالغت في التهليل والتمجيد، وصوّرت القمة المنتظرة كمنعطف تاريخي سيُعيد تشكيل العلاقات العربية والإسلامية، ويؤسس لمرحلة جديدة من الردع والوحدة.
 
هذا المقال ينطلق من نموذج نقدي لما كُتب إعلامياً عن قمة الدوحة، ويهدف إلى تفكيك الخطاب الإعلامي الذي يغلب عليه الطابع الانفعالي، ويبتعد عن التحليل الموضوعي للسياسات الدولية وتحولات العلاقات الخليجية.
 
أولاً: المبالغة في تصوير الإجماع والتضامن
كثير من المقالات الإعلامية صوّرت القمة وكأنها تعبير عن وحدة عربية وإسلامية مطلقة، متجاهلة الخلافات العميقة بين الدول، وتضارب مصالحها. كما تم التركيز على رمزية انعقاد القمة وإصدار بياناتها، دون التطرق إلى مدى جدية التنفيذ أو قدرة الدول على تحويل الأقوال إلى أفعال ملموسة.
 
ثانياً: تجاهل السياق التاريخي والخلافات الإقليمية
الخطاب الإعلامي أغفل وقائع تاريخية مهمة، مثل الحصار الذي فرضته دول خليجية على قطر في عام 2017، مما يُضعف مصداقية الحديث عن وحدة الأمن العربي. كما تجاهل أن بعض الدول المشاركة ترتبط بتحالفات أمنية مع قوى دولية تدعم إسرائيل، مما يجعل الحديث عن استراتيجية موحدة للردع أمراً غير واقعي.
 
ثالثاً: غياب الآليات التنفيذية الواضحة
الشعارات الكبرى التي رُفعت في القمة، مثل “ردع العدوان” و”السلام العادل”، لم تُرفق بأي تفاصيل عملية حول كيفية تنفيذها. كما تم تجاهل العقبات التي تعترض طريق التطبيق، خاصة في ظل تباين أولويات الدول واختلاف مواقفها من قضايا حساسة كالتطبيع والعلاقات مع القوى الكبرى.
 
رابعاً: تبسيط العلاقات الدولية والاعتماد على العاطفة
الخطاب الإعلامي اعتمد على مفردات عاطفية مثل “الكرامة” و”السيادة”، دون تحليل واقعي لموازين القوى، خصوصاً التفوق العسكري والتكنولوجي الذي تتمتع به إسرائيل، والدعم الدولي الذي تحظى به، مما يجعل فكرة الردع أكثر تعقيداً من مجرد إعلان نوايا.
 
خامساً: تضخيم النتائج وإطلاق أحكام تاريخية متسرعة
تم تصوير قمة الدوحة على أنها تحول تاريخي يصنع مستقبل الأمة، في حين أن مثل هذه التحولات تحتاج إلى سنوات من العمل المتواصل لتترسخ فعلياً. كما قُدِّمت قراءات انتقائية للواقع، أُشيد فيها بدول كانت طرفاً في أزمات سابقة، مما يثير تساؤلات حول موضوعية التحليل الإعلامي.
 
العلاقات الإماراتية القطرية: نموذج للتباين بين الخطاب والواقع
شهدت العلاقات بين الإمارات وقطر توترات حادة، أبرزها الحصار الذي بدأ في يونيو  2017، بسبب اتهامات تتعلق بدعم الإرهاب والتقارب مع إيران. كما اختلفت مواقف البلدين من جماعة الإخوان المسلمين والنظام المصري، حيث اعتبرت الإمارات دعم قطر للإخوان تهديداً لأمنها.
 
في يناير 2021 ، تم التوقيع على اتفاق العلا الذي أنهى الحصار، وأُعيدت العلاقات تدريجياً، وصولاً إلى إعلان إعادة فتح السفارات في أبريل 2023. ورغم هذا التحسن، لا تزال هناك خلافات استراتيجية قائمة، خصوصاً في الملفات الإقليمية الحساسة.
 
اقتصادياً، تربط البلدين مصالح مشتركة، منها مشروع الغاز الطبيعي الذي استمر رغم الأزمة، واستثمارات متبادلة بمليارات الدراهم، مما يعكس براغماتية في التعامل تتجاوز الخطاب السياسي.
 
خاتمة: نحو خطاب إعلامي أكثر واقعية
الخطاب الإعلامي العربي، كما ظهر في تغطية قمة الدوحة، بحاجة إلى مراجعة منهجية تقوم على الواقعية والموضوعية، وتبتعد عن التهويل العاطفي. فالفجوة بين الخطاب والواقع تُهدد بخلق خيبة أمل جماعية، حين يتضح أن الشعارات لم تُترجم إلى سياسات فعالة.
 
ولتحقيق تحليل أكثر نضجاً، ينبغي:
* الاعتراف بالتعقيدات الجيوسياسية والمصالح المتضاربة.
* التمييز بين الرمزية السياسية والإجراءات العملية.
* فهم موازين القوى الإقليمية والدولية.
* التعامل مع التحولات السياسية باعتبارها تدريجية لا قطيعة تاريخية.
 
بهذا الفهم، يمكن للإعلام أن يؤدي دوراً أكثر فاعلية في توعية الجمهور، بعيداً عن الانفعالات والقراءات المثالية التي تفتقر إلى الأساس الواقعي.