يأتي هذا العمل ليناقش واحدة من القضايا المحورية التي تهم الرأي العام المغربي والأوساط الأكاديمية على حد سواء، وهي مدى استقلالية المؤسسات الرقابية، ممثلة في المحكمة العليا للحسابات، كشرط أساسي لضمان نزاهة وشفافية تدبير المال العام وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة.
ويؤكد البحث، الذي حظي باهتمام كبير، على التحديث والتعزيز الملحوظين اللذين شهدتهما المحكمة العليا للحسابات في السنوات الأخيرة، حيث ارتقت مكانتها لتصبح متوافقة إلى حد كبير مع المعايير الدولية التي تضعها المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة لاسيما فيما يتعلق بمسألة الاستقلالية وتوفير الوسائل اللازمة لأداء مهامها.
غير أن الدراسة، وفقًا للدكتور البوشوكي، تشير إلى أن التحدي المطروح الآن على المحكمة يتمثل في ضرورة إغناء تقاريرها السنوية بعرض أكثر عمقًا لمضمون وأنجع لنتائج أعمالها الرقابية، لتعزيز أثرها وفعاليتها.
كما سلط العمل الضوء على التطور الكبير الذي عرفه شبك المحاكم الجهوية للحسابات، معتبرًا أن إدماجها في المشهد الإداري المغربي، من خلال أحكامها وتحقيقاتها الأولى المتزنة، "يبدو ناجحًا".
ويحلل هذا العمل العلمي القيّم درجة الاستقلالية الفعلية للمحكمة العليا للحسابات في علاقتها مع السلطة المركزية، وآليات التنسيق بين الجانب المركزي والمحلي في الرقابة المالية، مؤكدًا على الدور المحوري لهذه المؤسسة الدستورية، كجهاز أعلى للرقابة المالية، في تعزيز الحكامة الجيدة وترسيخ دولة القانون من خلال دعم ركائزها الأساسية المتمثلة في الديمقراطية التشاركية، ومكافحة الفساد، والشفافية، وتبسيط الإدارة.
وبهذا الإصدار، يقدم الدكتور محمد البوشوكي إضافة نوعية للمكتبة القانونية والاقتصادية المغربية، معززًا مساره البحثي والإبداعي المتميز، ومقدمًا أرضية للنقاش البناء حول سبل تعزيز آليات الرقابة وبناء ثقة المواطن في تدبير الشأن العام.