كيف جعل الملك محمد السادس فلسطين ثابتا وطنيا

كيف جعل الملك محمد السادس فلسطين ثابتا وطنيا
ظلت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬منذ‭ ‬تولي‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬الحكم‭ ‬صيف‭ ‬سنة‭ ‬1999،‭ ‬إحدى‭ ‬الثوابت‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬المغربية،‭ ‬إذ‭  ‬لم‭ ‬يكف‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة‭ ‬القدس‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬منعرج‭ ‬سياسي‭ ‬حاسم‭ ‬عرفته‭ ‬القضية‭ ‬إقليميا‭ ‬ودوليا،‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬دولتهم‭ ‬المستقلة،‭ ‬وعن‭ ‬ربط‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبالعمق‭ ‬الديني‭ ‬والروحي‭ ‬للمغرب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬وبواجب‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬الممكنة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الترافع‭ ‬الحقوقي‭ ‬الدولي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬المنظمات‭ ‬والمنتديات‭ ‬الدولية‭.‬

هذا‭ ‬الالتزام‭ ‬الثابت‭ ‬للمغرب،‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬دولي‭ ‬يتميز‭ ‬بتراجع‭ ‬مركزية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الأجندة‭ ‬العربية،‭ ‬وتزايد‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬(السلطة‭ ‬الفلسطينية)،‭ ‬واحتداد‭ ‬الانقسام‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬الفصائل،‭ ‬وكثافة‭ ‬محاولات‭ ‬فرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عبر‭ ‬الاستيطان‭ ‬والحصار‭ ‬والعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬العسكري‭ ‬المستمر‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬غزة،‭ ‬وتحييد‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وتشديد‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬نشطائها،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تكريس‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭ ‬بهندسة‭ ‬أمريكية‭ ‬مكشوفة،‭ ‬وبدعم‭ ‬غربي‭ ‬فاضح‭. ‬إذ‭ ‬ظل‭ ‬صوت‭ ‬المغرب،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬العواصف‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭ ‬القضية‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬المنعرجات،‭ ‬حاضرا‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬سلام‭ ‬الشجعان‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بإنصاف‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وتمكينهم‭ ‬من‭ ‬إقامة‭ ‬دولتهم‭ ‬المستقلة‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭.‬

وقد‭ ‬حرص‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الراحل‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات،‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬شرعية‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إذ‭ ‬أكد‭ ‬في‭ ‬خطبه‭ ‬ورسائله‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬مسار‭ ‬للسلام‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتجاهل‭ ‬مكانة‭ ‬هذه‭ ‬القيادة‭ ‬باعتبارها‭ ‬الممثل‭ ‬الشرعي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬المغرب،‭ ‬طيلة‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬الحرجة‭ ‬داعما‭ ‬سياسيا‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬محاولات‭ ‬التهميش‭ ‬والعزل‭ ‬والانقسام‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬عندما‭ ‬تعرض‭ ‬أبو‭ ‬عمار‭ ‬للحصار‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬برام‭ ‬لله‭ ‬سنة‭ ‬2003،‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭  ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬تضامنه‭ ‬الشامل،‭ ‬وفي‭ ‬دعوة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬الشرعية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬الانهيار،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬تعرض‭ ‬مبكرا‭ ‬لإجهاض‭ ‬مدبر‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬اليمين‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتطرف،‭ ‬ولرفض‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬جماعة‭ ‬حماس‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬العربي،‭ ‬في‭ ‬عموميته،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬عرف‭ ‬انقساما‭ ‬شديدا‭ ‬بعد‭ ‬أزمة‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬للكويت‭ ‬وتأييد‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬للموقف‭ ‬العراقي،‭ ‬مما‭ ‬انعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬القضية،‭ ‬حيث‭ ‬حوصرت‭ ‬بمتغيرات‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كلها‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬ركب‭ ‬التسوية‭ ‬النهائية،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬ركب‭ ‬الالتحاق‭ ‬بإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬خريطة‭ ‬جيوسياسية‭ ‬جديدة‭ ‬يصنعها‭ ‬كبار‭ ‬اللاعبين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬الموقف‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬بمثابة‭ ‬إعلان‭ ‬واضح‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وقضيتهم‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬شعار‭ ‬عاطفي‭ ‬يتغير‭ ‬بتغير‭ ‬المواقف‭ ‬والقيادات‭ ‬والظرفيات‭ ‬والرؤى،‭ ‬وإنما‭ ‬التزام‭ ‬سياسي‭ ‬ثابت‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬للمزايدة‭. ‬التزام‭ ‬بالدعم‭ ‬السياسي‭ ‬والمالي،‭ ‬وانخراط‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬طرح‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬والتسوية‭ ‬السلمية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الواجهات‭.‬

ومع‭ ‬انتقال‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬سنة‭ ‬2005،‭ ‬استمر‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬خطه‭ ‬الثابت‭. ‬فقد‭ ‬واصل‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬التأكيد،‭ ‬في‭ ‬رسائل‭ ‬سنوية‭ ‬يوجهها‭ ‬إلى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بمناسبة‭ ‬اليوم‭ ‬الدولي‭ ‬للتضامن‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬على‭ ‬مركزية‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وعلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬وفق‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭.
 
‬كما‭ ‬يذكر،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المناسبات،‭ ‬بأن‭ ‬غياب‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يذكي‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأن‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭. ‬

واللافت‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬المغربي‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بالخطاب،‭ ‬بل‭ ‬دعمه‭ ‬بالفعل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمل‭ ‬وكالة‭ ‬بيت‭ ‬مال‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭ ‬التي‭ ‬تواصلت‭ ‬مشاريعها‭ ‬التعليمية‭ ‬والصحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬بتمويل‭ ‬مغربي‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬الأعم،‭ ‬رغم‭ ‬الظروف‭ ‬الأمنية‭ ‬الصعبة،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الالتزام‭ ‬المغربي‭ ‬يتجاوز‭ ‬المستوى‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬نحو‭ ‬الميدان‭ ‬العملي‭ ‬الملموس‭. ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‭ ‬لمصيرهم،‭ ‬مما‭ ‬عرض‭ ‬القضية‭ ‬لحصار‭ ‬مالي‭ ‬وسياسي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬حولها‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬شعب‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬ورقة‭ ‬سياسية‭ ‬يستعملها‭ ‬كل‭ ‬لاعب‭ ‬حول‭ ‬أهوائه‭ ‬ومصالحه‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬امتناع‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2005،‭ ‬عن‭ ‬حضور‭ ‬القمم‭ ‬العربية،‭ ‬إذ‭ ‬اعتذر‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬عن‭ ‬استضافتها‭ ‬بسبب‭ ‬فقدان‭ ‬اجتماعات‭ ‬القمة‭ ‬لفعاليتها‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬مناسبات‭ ‬شكلية‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬قرارات‭ ‬مؤثرة‭. ‬كما‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬قمة‭ ‬الأردن‭ ‬سنة‭ ‬2017،‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬قمة‭ ‬الجزائر‭ ‬سنة ‭ ‬.2022‬

ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬حضور‭ ‬المغرب،‭ ‬فلسطينيا،‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والمؤسساتي،‭ ‬بل‭ ‬اتخذ‭ ‬بعدا‭ ‬إنسانيا‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الغاشم‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬ظل،‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية،‭ ‬مرورا‭ ‬بالحروب‭ ‬المتكررة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬2008‭ ‬و2014 و2021،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الراهنة‭ ‬(حرب‭ ‬التجويع‭ ‬والإبادة،‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬الذين‭ ‬يوجهون‭ ‬نداءات‭ ‬عاجلة‭ ‬إلى‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬نزيف‭ ‬الدم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وفي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة،‭ ‬عبّر‭ ‬في‭ ‬رسائله‭ ‬وخطبه‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬الشديد‭ ‬لاستهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬العزل،‭ ‬وعن‭ ‬إدانته‭ ‬للسياسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التهجير‭ ‬والاستيطان‭ ‬والقمع‭ ‬الجماعي‭ ‬والتقتيل‭ ‬والإبادة‭. ‬ولم‭ ‬يقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية،‭ ‬بل‭ ‬تُرجِم‭ ‬في‭ ‬الترخيص‭ ‬للمظاهرات‭ ‬والمسيرات‭ ‬المنددة‭ ‬بالعدوان‭ ‬الهجمي‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬وإرسال‭ ‬مساعدات‭ ‬عاجلة‭ ‬متكررة‭ ‬من‭ ‬أدوية‭ ‬ومستلزمات‭ ‬طبية‭ ‬وغذائية‭ ‬إلى‭ ‬سكان‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬جعلت‭ ‬المغرب‭ ‬حاضرا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬كصوت‭ ‬مدافع،‭ ‬بل‭ ‬كفاعل‭ ‬إنساني‭ ‬حاضر‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬ويسعى‭ ‬إلى‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬يواجهون‭ ‬بربرية‭ ‬نتانياهو‭ ‬بصدور‭ ‬عارية‭. ‬وكانت‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬2025 (يوليوز‭ ‬وغشت)،‭ ‬إذ‭ ‬أمر‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بإرسال‭ ‬دفعات‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬(نحو‭ ‬280‭ ‬طنا)‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الاستعجال‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬تشمل‭ ‬مواد‭ ‬غذائية‭ ‬وأدوية‭ ‬طبية‭ ‬ومستلزمات‭ ‬عاجلة‭ ‬للأطفال‭ ‬وغيرها،‭ ‬عبر‭ ‬جسر‭ ‬جوي‭ ‬خاص‭ ‬لضمان‭ ‬إيصالها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني‭ ‬جزء‭ ‬أصيل‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬بقيادة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭.‬

هذه‭ ‬الاستمرارية‭ ‬في‭ ‬الالتزام‭ ‬السياسي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬حالة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬فبينما‭ ‬اتجهت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬ربط‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بظرفيات‭ ‬سياسية‭ ‬متغيرة‭ ‬ونحت‭ ‬منحى‭ ‬انتهازيا‭ ‬وابتزازيا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬(حالة‭ ‬الجارة‭ ‬الجزائر)،‭ ‬ظل‭ ‬المغرب‭ ‬ثابتا‭ ‬في‭ ‬مواقفه،‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قضية‭ ‬وطنية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬قضية‭ ‬قومية‭ ‬أو‭ ‬إسلامية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬الالتفاف‭ ‬حولها‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬والمنعرجات‭. ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬وفي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬رسالة‭ ‬أو‭ ‬خطاب،‭ ‬أن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مسؤوليته‭ ‬الدينية‭ ‬بصفته‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬ورئيس‭ ‬لجنة‭ ‬القدس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضفي‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬المغربي‭ ‬شرعية‭ ‬إضافية‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬البعد‭ ‬السياسي‭ ‬والروحي‭. ‬واضح‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬"الاتفاق‭ ‬الثلاثي" (بين‭ ‬الرباط‭ ‬وواشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب)‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأن‭ ‬موقف‭ ‬المغرب‭ ‬ثابت‭ ‬لا‭ ‬يتغير‭. ‬ففي‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬بعث‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلسطيني‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الاتفاق،‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لن‭ ‬يفرط‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وأن‭ ‬إعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬تلغي‭ ‬التزامه‭ ‬التاريخي‭ ‬والديني‭ ‬تجاه‭ ‬القدس‭ ‬وفلسطين‭. ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬مسعى‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الواقعية‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬المبادئ،‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬قنوات‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬قد‭ ‬يتيح‭ ‬فرصا‭ ‬أكبر‭ ‬للوساطة‭ ‬والتأثير‭ ‬الإيجابي‭ ‬على‭ ‬القضية،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الخضوع‭ ‬السياسي،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الحوار‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬القوى‭.‬

وإذا‭ ‬تأملنا‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬1999‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الالتزام‭ ‬السياسي‭ ‬بقيادة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬تجسد‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬مستويات‭ ‬متكاملة‭. ‬

أولا‭ :‬مستوى‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الواضح‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬السلام‭ ‬العادل‭ ‬بالشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬وبحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولتهم:‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬(دولة‭ ‬إسرائيل+‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشريف)‭.‬
 
ثانيا‭ :‬المستوى‭ ‬العملي‭ ‬الميداني‭ ‬عبر‭ ‬وكالة‭ ‬بيت‭ ‬مال‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭ ‬والمبادرات‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتكررة،‭ ‬والتي‭ ‬منحت‭ ‬للموقف‭ ‬المغربي‭ ‬مصداقية‭ ‬لدى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم‭.‬
 
ثالثًا‭ :‬‭‬المستوى‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬طرفا‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬مخاطبة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬والضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬عادلة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬الاصطفاف‭ ‬الأعمى‭ ‬أو‭ ‬الانحياز‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭.‬

إن‭ ‬استمرارية‭ ‬هذا‭ ‬الالتزام‭ ‬الملكي‭ ‬تعكس‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ملف‭ ‬خارجي‭ ‬عادي‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬المغربية،‭ ‬وإنما‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬صورة‭ ‬المغرب‭ ‬كدولة‭ ‬لها‭ ‬عمق‭ ‬حضاري‭ ‬وديني‭ ‬وتاريخي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬إذ‭ ‬مهما‭ ‬تغيرت‭ ‬التحالفات‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الموقف‭ ‬المغربي‭ ‬هو‭ ‬وضوحه‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬عدوان‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الغاشم،‭ ‬وثباته‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬والعمل‭ ‬الميداني‭. ‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الان"
رابط العدد هنا