الدكتور محمد براو/ خبير دولي في الحكامة ومؤلف كتاب الحكامة الجيدة على ضوء التوجيهات الملكية
يُعد مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بتنظيم التعليم العالي والبحث العلمي خطوة إصلاحية مهمة في مسار تحديث الجامعة المغربية، وجعلها أكثر كفاءة وملاءمة مع التحولات الوطنية والدولية. فهو مشروع يطرح رؤية جديدة لمكانة الجامعة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، ويسعى إلى تجاوز تراكمات إدارية وبيداغوجية وهيكلية أعاقت أداء مؤسسات التعليم العالي لعقود.
لكن، وكأي مشروع إصلاحي واسع النطاق، يثير القانون بعض التحفظات والانتقادات، سواء من حيث منهجية إعداده، أو آليات تنزيله، أو مدى جاهزية البنية الجامعية لمواكبة متطلباته. وفي هذا السياق، من الضروري اعتماد نقد بنّاء ومعتدل، يعترف بالإيجابيات، دون تجاهل الملاحظات الجوهرية، ويقترح البدائل الممكنة لتقوية فرص النجاح.
مكاسب مشروع القانون: نحو حكامة جديدة واستقلالية مؤسسية
مشروع قانون 59.24 لا يخلو من عناصر تقدمية تستحق التنويه، لعل أبرزها:
هذه المكاسب تعكس إرادة حقيقية لإعادة صياغة وظائف الجامعة المغربية، وجعلها أكثر التصاقًا بحاجيات الاقتصاد الوطني، وأكثر انفتاحًا على الدينامية المجتمعية.
تحفظات مشروعة وملاحظات بنّاءة
رغم ما سبق، فإن قراءة تقارير الرقابة والتقييم، وعلى رأسها تقارير المجلس الأعلى للحسابات، تُظهر أن الطريق نحو تنزيل فعلي لهذه الإصلاحات لا يزال مليئًا بالتحديات، من أبرزها:
هذه التحديات لا تُلغي قيمة المشروع، لكنها تقتضي إرادة تنفيذية قوية ومقاربة تشاركية واسعة لضمان تنزيل فعّال ومؤثر.
منهجية الإعداد: بين الشرعية القانونية ومطلب التشاركية
أثارت النقابة الوطنية للتعليم العالي جدلًا واسعًا برفضها للمشروع على خلفية "إقصائها" من مسار الإعداد، واعتبرت أن الحكومة ضربت بعرض الحائط التزامات سابقة، وسعت إلى تمرير القانون بمنهجية أحادية، تهدد حسب قولها هوية الجامعة العمومية ومكتسبات الأسرة الجامعية.
وفي هذا الصدد، يجدر التمييز بين القانون والسياسة العمومية:
وبالتالي، فإن موقف وزارة التعليم العالي لا يمكن اعتباره إقصاءً، بل هو التزام بالقانون، مع بقاء ضرورة سياسية وأخلاقية لفتح قنوات التواصل خلال باقي مراحل المسار التشريعي.
توصيات من أجل إنجاح الإصلاح
لكي لا يبقى مشروع القانون مجرد وثيقة تشريعية من دون أثر، فإننا نوصي بما يلي:
ختاما: لا إصلاح بدون ثقة... ولا تقدم بدون حوار
مشروع قانون 59.24 هو بلا شك إصلاحٌ طموح، ينسجم مع تحديات الزمن الجامعي الجديد، ويستند إلى مرجعيات قانونية سليمة. لكن فعاليته ستبقى رهينة بقدرة الجميع – حكومة، جامعات، فاعلين اجتماعيين – على بناء الثقة، وتغليب المنطق التشاركي، وتجاوز التوجس المتبادل.
إن دعم الإصلاح لا يعني غض الطرف عن الاختلالات، بل يعني الإسهام في تصحيح مساره، بالحوار الهادئ، والنقد الموضوعي، والرؤية الاستشرافية..
الدكتور محمد براو/ خبير دولي في الحكامة ومؤلف كتاب الحكامة الجيدة على ضوء التوجيهات الملكية