في البداية لا بد لنا أن نؤكد أننا لسنا هنا لاصطياد هفوات أو أحداث مؤسفة للركوب على الموجة، وليس في نيتنا استعمال القلم الأحمر بقدر ما نسعى إلى الاسهام الايجابي في تطوير هذا القطاع بالنقد البنّاء الذي تعلمناه داخل مدارس الجمعيات التربوية الوطنية التقدمية. نقد يعتبر الأزمة مناسبة لإعادة التفكير وتجويد الممارسة التربوية، بعيداً عن منطق التشهير أو التبرير.
لقد تلقى الرأي العام الوطني صدمة جديدة بعد انتشار خبر شبهة هتك عرض طفل داخل مخيم صيفي، وما تلاه من اعتقال مؤطرين.
حادث يعيد بقوة إلى الواجهة أسئلة الثقة في فضاءات الطفولة، ويضع المنظومة التخييمية برمتها أمام مساءلة قيمية ومؤسساتية. وإذا كان البلاغ الصادر عن الجامعة الوطنية للتخييم قد حاول نفي المسؤولية المباشرة عن أطرها باعتباره حدثا معزولا، فإن ذلك لم يعدُ كافياً أمام خطورة ما حدث، لأن النقاش أعمق من مجرد تبرئة الذمم، بل يرتبط بجوهر الحق في حماية الطفولة.
أولا :بين المسؤولية الفردية والمسؤولية المؤسساتية
لا يكفي القول إن الجريمة ـ إن تأكدت ـ هي فعل فردي معزول، لأن المخيم منظومة تربوية لها ضوابطها ومقتضياتها. المسؤولية هنا تتوزع بين
الوزارة الوصية: عبر وضع السياسات والاعتمادات
الجمعيات المنظمة: من خلال انتقاء الأطر وضمان تكوينهم
الجامعة الوطنية للتخييم: بصفتها هيئة تنسيق ومرافعة يفترض أن تضع معايير واضحة للانتقاء والتأهيل.
إن تجاهل هذه المسؤولية المشتركة يُسهم في إضعاف الثقة ويترك الباب مفتوحاً أمام تكرار الانزلاقات
ثاني: مهننة مجال التنشيط التربوي: من مطلب إلى ضرورة التعجيل في التنزيل
لقد بات من الواضح أن المنشط التربوي مربي قبل كل شيء. ومن غير المقبول أن يتم إسناد مهام تربوية إلى أشخاص يفتقرون إلى تكوين عميق في علوم التربية، حماية الطفولة، علم النفس التربوي، والتواصل. هنا تبرز الحاجة إلى: ى
إحداث تخصص أكاديمي أو مجزوءات للتنشيط التربوي والشباب
الاعتراف بالمنشط كمهنة قائمة بذاتها
إخضاع الولوج إليها لشروط ومعايير تكوين وأخلاقيات مهنة صارمة
ثالثا: من موسمية الفعل التربوي إلى الحاجة لفعل تربوي مستدام
من بين الإشكالات البنيوية التي تفاقم هشاشة فضاءات الطفولة، أنّ الفعل التربوي داخل عدد من الجمعيات يبقى موسميا خصوصا في ظل بلقنة المشهد التخييمي عوض الانخراط في تقوية المنظمات التربوية التاريخية واعتبرها شريكا استراتيجيا.
هذا الوضع المؤسف ساهم في جعل انخراط الكثير من الجمعيات مرتبطاً بفترة المخيمات أكثر مما هو ممارسة مستمرة على طول السنة والجمود الذي تعاني منه دور الشباب لخير دليل.
هذه الموسميّة تتغذى من عدة اختلالات واقعية :
أ- ضعف التأطير التربوي المستمر والتكوينات الداخلية داخل الجمعيات، حيث يغيب الاشتغال التربوي الاسبوعي لفائدة أنشطة ظرفية مرتبطة بالمخيم.
ب- اختلالات في مساطر التكوين، إذ غالباً ما يتم توزيع التداريب على مستفيدين لا ينتمون فعلياً للجمعيات، مما يضعف الارتباط المؤسساتي ويحوّل التكوين إلى شهادة شكلية أكثر منه مساراً لبناء كفاءات.
ج- شيوع نجاح جماعي في التداريب دون تدقيق في معايير الانتقاء والتتبع، مما أفقد التداريب طابعها التكويني الصارم
د- البحث المتكرر عن أطر في اللحظات الأخيرة لإدارة مراحل صيفية، وهو مؤشر على غياب رؤية استراتيجية في بناء أطر قارة ومؤهلة.
ه- طغيان العروض النظرية على حساب التجارب التطبيقية، بينما الأصل أن يكون التدريب محاكاة لواقع المخيم وما يتطلبه من حس تربوي وروح مسؤولية وقدرة على اتخاذ القرار في المعيش اليومي.
و- غياب الية تتبع الفعل التربوي وتقويمه حضوريا وعن بعد للاطر المستفيدة داخل جمعياتها بعد التداريب .
إن المسؤولية هنا تكليف لا تشريف، ولا يمكن أن يُسند لمن يفتقر إلى حس التربية وروح الانتماء. لذلك، فإن أي إصلاح عميق للمخيمات يجب أن ينطلق من إعادة الاعتبار إلى مسار التكوين بصرامة في الانتقاء والتأهيل، وربط الشخصية بالقيم والمسؤولية، حتى لا يبقى المخيم مغامرة صيفية عابرة بل فضاءً تربوياً آمناً ومستداماً
رابعا: الحاجة إلى مرجعية قيمية وقانونية
الحادث المؤلم يكشف هشاشة البنية القيمية داخل الفضاءات التربوية. ومن هنا، فإننا في حاجة إلى الميثاق الوطني للسلوك المدني والتطوع ليكون:
مرجعية قيمية تحدد الواجبات والمسؤوليات
إطاراً قانونياً يحمي الأطفال والمتطوعين معاً
أداة لتأهيل العمل التطوعي والتربوي، بعيداً عن الارتجال وردود الأفعال
أخيرا : هل الطفولة أولاً أم السمعة أولا؟
إن أخطر ما نواجهه اليوم هو تحول حماية السمعة المؤسسية إلى أولوية تفوق حماية الطفولة. بينما الأصل أن يكون المخيم فضاءً للحرية، والكرامة، والثقة، لا مكاناً يهدده الخطر.
من هنا، يصبح السؤال الجوهري: هل سنكتفي بردود أفعال ظرفية وبلاغات مطمئنة، أم سنجرؤ على بناء إصلاح عميق يجعل من الأزمات فرصاً لتجديد الثقة وصياغة مستقبل تربوي يليق بأطفال المغرب؟