في هذا الزمن الحساس، صارت الكلمة أخطر من الرصاصة، والمنبر الديني سلاح ذو حدين: إما أن يكون وسيلة للهداية والخير والطمأنينة، أو يتحول إلى قنبلة موقوتة تُشعل الفوضى وتفتح أبواب الفتنة، لهذا لابد أن يبقى منبر الجمعة على الدور الإيجابي المعهود و المعروف له بين الناس، أي إرشاد وتوجيه الناس و دعوتهم للتسامح والتعايش والتضامن وللإستقامة و الصلاح و حب الخير؛ لکن بإمکان المنبر الديني أن يصبح أيضا على النقيض من ذلك تماما، وفي هذا السياق ، كشفت التجارب في كثير من البلاد العربية والأوروبية ، أن نهاية كل خطيب متنطع لا تكون إلا خلف قضبان السجون، بعدما حوّل منبره إلى منصة للتسميم الفكري ونشر الكراهية، متجاوز في خطبه كل السياقات السياسية والقانونية بخطابات شعبوية تُغذّي التطرف وتُهدد السلم المجتمعي.
فخطبة الجمعة في عصر السماوات المفتوحة لم تعد شأنًا داخليًا يخص جمعية المسجد أو بلدًا بعينه، بل صارت شأنًا عالميًا، قد تُستغل من جهات خارجية وتنظيمات متطرفة لتشويه صورة الإسلام وضرب استقرار الدول، ومن هنا ندرك أهمية المبادرة التي قامت بها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، بتوحيد الخطب وتعميمها على المنابر. فالأمر لا يتعلق بتقييد حرية الخطباء كما يروّج البعض، بل بترسيخ حصانة روحية تحمي بيوت الله من أن تتحول إلى أبواق للفتنة أو أدوات رخيصة لتصريف أجندات سياسية خفية.
فخطيب الجمعة الذي يفتقر إلى الحكمة والموعظة الحسنية وفقه الواقع قد يكون أخطر من متطرف يحمل السلاح؛ لأنه يزرع بذور الفوضى باسم الدين، ويفتح الباب لفتن لا أول لها ولا آخر، وقد حصل هذا في أكثر من بلد إسلامي، كما حصل أيضا في بعض المساجد الأوروبية وتم إغلاقها وطرد إمامها إلى بلده الأصلي؛ ومن هنا فإن حماية المنابر لم تعد رفاهية، بل ضرورة وجودية، من قبل السلطات الرسمية، لأننا أمام مرحلة دقيقة: إما أن نعي خطورة الكلمة على المنبر، أو نترك الساحة مشرعة أمام دعاة الفوضى والدمار، والأخطر من كل ذلك أن بعض الجماعات الدينية ما زالت تحاول اختراق المنابر واستغلال خطبة الجمعة باعتبارها وسيلة دعائية لترويج أيديولوجياتها، متنكرة في شعارات دينية براقة، هذه التيارات لا ترى في المنبر وسيلة للهداية والإصلاح؛ بل تعتبره منصة لتأجيج الكراهية والتحريض على الدولة وتمزيق النسيج الوطني، عبر زرع الشكوك في المؤسسات وإيجاد مبررات دينية للفوضى والانقسام
لهذا، فإن ضبط المنابر وتوحيد الخطب لم يعد خيارًا، بل هو واجب وطني وأمني، حتى لا تتحول بيوت الله إلى ساحات لتصفية الحسابات أو قنوات لتمرير رسائل سياسية مشبوهة. فالكلمة على المنبر قد تُعيد للأمة وحدتها وقوتها، وقد تمزقها شر ممزق إذا تُركت في يد دعاة الفتنة وتجار مآسي الشعوب .
في الختام، تبقى خطبة الجمعة في زمن السماوات المفتوحة أمانة ثقيلة لا مجال فيها للارتجال أو العبث؛ فهي إما منارة للهداية والإصلاح، وإما وقودًا للفوضى والفتن، ومن هنا تفرض المسؤولية الوطنية والدينية التعامل الصارم مع هذا المنبر، صونًا للوطن، وحمايةً للمجتمع، وحفاظًا على قدسية رسالة القرآن الذي أنزله الله على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.