عبد الفتاح نعوم: هل "تندوفيو المخيمات" لاجئون أم محتجزون أم عشاق تخييم؟

عبد الفتاح نعوم: هل "تندوفيو المخيمات" لاجئون أم محتجزون أم عشاق تخييم؟ عبد الفتاح نعوم
يشرح عبد الفتاح نعوم، الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بمراكش، بخلفية قانونية أن ساكني مخيمات تندوف لا يصنفون كلاجئين قانونياً بل هم محتجزون، بسبب رفض الجزائر وتنظيم البوليساريو السماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإحصائهم والتحقق من أوضاعهم. وأضاف نعوم، أن الجزائر تمنح تنظيم البوليساريو سلطة غير قانونية على المخيمات، مما يحولها إلى معسكرات احتجاز تخالف قواعد القانون الدولي، ويُستخدم هذا الوضع سياسياً لتضخيم الدعم للبوليساريو وإعاقة حقوق السكان.
 
لست من الميّالين إلى الإمعان في توظيف النزعة المدرسية لدى تناول موضوع ما في المجال العام، لكن أحيانا لا ضير في ذلك، لاسيما وأن السمة الغالبة على معظم نقاشاتنا في عصر التواصل الاجتماعي صارت هي تلك المستمدة من مبدأ "اهرف بما لا تعرف". ولذلك فلا بأس من العودة إلى هذا الموضوع بهدوء وود؛ لوضع النقاط على حروفها، بعدما كانت حرب الأيام الإثنتا عشر قبل وبعد أن وضعت أوزارها؛ قد صرفت الاهتمام عن تناوله بالقدر الكافي من العلمية، وبعيدا عن المنطق الدوغمائي والاحتكاري للمسألة، وكأنه لا يجوز لمن لم يدخل السجن أن يتحدث عن القانون الجنائي، ولا يحق لمن لم يكن "أحمقا سابقا" أن يتحدث عن الحمقى.
فمن السائغ اليوم التساؤل حول الطبيعة القانونية لوضعية ساكني خيام تندوف، لاسيما وأن الدولة المضيفة وبوليساريو يصران على أنهم يسكنون في تلك الخيام بمحض إرادتهم، ويفضلونها على العودة إلى موطنهم الأصلي، بل وحتى عن الانتقال الى الجزء الذي تزعم بوليساريو أنها قد "حررته"، وفي الوقت نفسه يرفضان معا مجرد أن يُسمح للمفوضية أن تقول هي ذلك بعد إحصاء دقيق وشفاف ونزيه تقوم به. وبالتالي فأولئك السكان يتواجدون في وضع لا هم حياله لاجؤون بالمعنى القانوني والدقيق للكلمة، الذي سيجري تبيانه، ولا هم عشاق تخييم يقيمون هناك بمحض إرادتهم؛ لأنه لم يُسمح للطرف الوحيد الذي يمكن أن نثق به وهو المفوضية أن يقول لنا هو ذلك، فيما تتواتر كل المعطيات القانونية والواقعية التي سيجري شرحها في هذا النص لتقول أن كل ما يجري هناك يتصل بـ"معسكر احتجاز" سيء الذكر، قامت سلطات الجزائر حياله بتفويض ولايتها القضائية باعتبارها دولة مضيفة لجسم مسلح متشكل من ساكني المخيمات أنفسهم، ليغدو الأمر أشبه بترتيب "مسؤولية تقصيرية" على عاتق الجزائر (إن جاز لنا استعارة بعض مفاهيم القانون الخاص للتفسير جريا على معتاد فقهاء القانون الدولي)، حيث أنها تُعاين ضررا وتمتنع عن القيام بواجبها في دفعه، ولا حاجة لتوضيح العلاقة السببية بين الضرر وفعلها السلبي/الامتناعي.
1- ولعل مجرد مطالعة الرأي الذي يزعم أن تندوفيي المخيمات ليسوا محتجزين ستكون كافية للوقوف على معضلة تقديم الكلم على الفهم، فمعظم من تحدثوا وكتبوا قد اخترعوا منظمة دولية لا وجود لها؛ اسمها "المفوضية السامية لغوث اللاجئين"، وذلك بسبب خلط ناجم عن عدم "الدراية المدرسية" بين منظمتين لا علاقة لهما ببعضهما هما "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى"، التي يشار إليها اختصارا بـUNRWA، والتي تأسست في العام 1949، وبين "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" المعروفة اختصارا بـUNHCR، والتي تأسست في العام 1950، أي أن الأمر يتعلق بمنظمتين جرى تأسيسهما لأغراض مختلفة قبل حتى اعتماد اتفاقية اللجوء للعام 1951، والحمد لله أن الخائضين، وبسبب نقص الدارية أيضا، لم يخلطوهما مع المنظمة الدولية للاجئين التي تأسست في العام 1946، وخلفتها لاحقا المفوضية السامية، بل وتبنت دستورها وحصيلتها.
فلنعد الآن إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين؛ إنها الموكل لها حصرا، بمقتضى المادة 35 من اتفاقية اللاجئين للعام 1951؛ الإشراف على تنفيذ الاتفاقية ذاتها، والدول الأعضاء ملزمون بالتعاون مع المفوضية، وتمكينها من المعلومات والإحصائيات اللازمة، وذلك لتتمكن هي من إحقاق حقوق اللاجئين بما تشمله من حق عدم الإعادة القسرية، والحماية، والتوطين. على أن ذلك يشمل أيضا الأشخاص عديمي الجنسية الذين يُمكن أن يحصلوا على صفة لاجئ، بمقتضى المادة1/ألف/2، والذين تستثنيهم اتفاقية الأشخاص عديمي الجنسية للعام 1654، في الفقرة الثانية من مادتها الأولى، وذلك ما داموا مستفيدين من ولاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والتي تستثني بدورها اللاجئين الذين تختص بشؤونهم أنظمة أخرى كما هو الشأن بالنسبة للاجئين الفلسطينيين المستثنون من أحكام اتفاقية 1951 بموجب المادة الأولى (فقرة دال).
يبدو إذن أن حصرية الاختصاص الموكل إلى المفوضية السامية نابع من تعقيد يطال حتما أي بيئة استقبال للاجئين، ما يجعل الفرز بين اللاجئين والفئات الأخرى التي قد تختلط بهم يكون صعبا بما كان على أي جهة أخرى أن تقوم به، ولذلك فحتى وإن أرادت الدول المضيفة أن تقوم هي نيابة عن المفوضية بعملية الإحصاء، لأنه لا يوجد ما يمنع من ذلك، لا في اتفاقية اللجوء ولا في النظام الأساسي للمفوضية الصادر بموجب قرار الجمعية العامة 428 للعام 1950، بل يلزمان معا الدول المتعاقدة بالتعاون مع المفوضية وتمكينها من المعلومات اللازمة، وذلك ضمانا للشفافية وعدم التلاعب بالمعطيات لتقديم فئات لا تنطبق عليها صفة لاجئ باعتبارها كذلك.
ومن هنا يتبين أن لنا أن إحجام الجزائر المتواصل عن القيام بتلك المهام بنفسها، أو تسهيل مهمة المفوضية، هو بسبب الارتكان إلى نية مبيتة تبتغي خلط اللاجئين بغير اللاجئين، لتضخيم العدد، ولتمكين بوليساريو من تضخيم أحجام المساعدات، ثم للمزايدة سياسيا وأمنيا بمشكلة المخيمات واستعمالها كتهديد أمني في المنطقة، ولذلك فلا هي تسمح للمفوضية أن تقوم بمهامها، ولا هي اضطلعت بالقيام بعملية إحصاء، بل إنها لحدود اللحظة لا تتوفر على قانون خاص باللجوء، وبرغم أن المادة 42 من القانون رقم  11 - 08 الخاص بـ "دخول الأجانب إلى الجزائر وإقامتهم فيها" الصادر في العام 2008، ينص صراحة على حق الإقامة لمن ثبت تصنيفه كلاجئ أو عديم الجنسية، لكن السؤال الذي يثور هنا هو: كيف السبيل إلى منح أولئك الأشخاص تلك الصفة؛ والحال أنه لا يوجد قانون يعطي للجزائر صلاحية القيام بنفسها بذلك، وفي المقابل لا تسمح هي للمفوضية أن تقوم بذلك؟.
 والحديث هنا طبعا عن مخيمات تندوف، لأن المفوضية السامية تتوفر على مقر في الجزائر العاصمة وتتلقى طلبات اللجوء وتبث فيها، باستثناء "تندوفيي المخيمات" الذين إما هم من ذوي الحظوة، وبالتالي فلا حاجة لهم أساسا لاتفاقية اللجوء ولا للمفوضية، أو هم ممن يمنع عليهم أن يسمع لهم صوت من الأساس، وإلا لكان بإمكان الجزائر أن تعالج ملفاتهم ملفا ملفّا من خلال "مكتب اللاجئين وعديمي الجنسية" المحدث داخل وزارة الخارجية الجزائرية منذ العام 1963، بمقتضى المرسوم رقم 1963-274، المتعلق بتحديد آليات تطبيق اتفاقية اللاجئين، والذي ينص في مادته الثانية على أن المكتب يتولى صلاحية الاعتراف بوضع اللاجئ لأي شخص يقع ضمن ولاية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو الذي تنطبق عليه تعريفات المادة الأولى من اتفاقية اللجوء للعام 1951.
2- فحريٌّ اليوم بمن يريد القول أن وضع تندوفيي المخيمات هو وضع جيد، ولا ينطوي على أي تعقيد، وأن وصف الدبلوماسية المغربية والخطب الملكية للمعنيِّين به باعتبارهم "محتجزين" أن يصوبوا سهامهم اتجاه الجزائر التي تمتنع عن تطبيق القانون في هذا الباب، وأن يجتهدوا للترافع عن إخواننا المغاربة المحتجزين في وجه نظام العسكر الجزائري ومرتزقة بوليساريو، لا أن يهربوا النقاش في كل اتجاهٍ؛ بعيدا عن وجهته السليمة والمنطقية، ويكتفوا بنقل أجزاء من دعاية بوليساريو الميتة إلى الرأي العام المغربي. ذلك أن الوقائع التي من شأنها تأكيد واقعة الاحتجاز كثيرة ولا يمكن للعقل اليقظ والمحض أن يقفز عليها، وفي مقدمتها امتلاك بوليساريو لولاية قضائية غير شرعية وغير قانونية بالمطلق، وهي ناتجة عن تفويض غير قانوني من طرف سلطات الجزائر صاحبة الولاية القضائية الأصلية على المخيمات، والتي لا تخول لها بأي حال من الأحوال حق تفويضها لطرف آخر لا ينتمي للجهاز الإداري والقضائي للدولة المضيفة، اللهم إلا إذا كانت الجزائر تعتبر بوليساريو كتيبة في الجيش الجزائري أو منطقة أمنية تابعة لجهازها الأمني !!!.
ولأن هذه النازلة فريدة من نوعها، ولأن علم القانون عموما مؤسس على مبدأ "السوابق"، منذ أيام هنري براكتون، فلا ضير من القياس على السوابق في هذا الباب. لعلّ مشكلة تسليح مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تعد هي الأقدم، حيث إنه ومنذ العام 1950 حينما قام الأردن بضم الضفة الغربية في إطار مشروع توحيد الضفتين، قد بدأت معالم تسليح مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تلوح في الأفق، وهو المشكل الذي سيتضاعف حينما سيختلط لاجؤو العام 1948 في الضفة الغربية بسكان الضفة الذين سيصبحون بدورهم لاجئين في الأردن بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية خلال حرب العام 1967، وكانت حينئذ منظمة التحرير قد تأسست منذ العام 1964 وباشرت نشاطها المسلح على نحو منظم، وهو ما انتهى بسلسلة الاصطدامات المتكررة بين مسلحي مخيمات الفلسطينيين في الأردن وبين السلطات الأردنية، وصولا إلى أحداث العام 1970 وما تلاها من مفاعيل الأوفاق الأردنية الفلسطينية. فقد كان جوهر المشكلة هو تسليح مخيمات اللاجئين، إلى الحد الذي صار الأمر معه حديثا عن "دولة داخل دولة".
وقد تكررت نفس المسألة بالنسبة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، منذ بدايات السبعينات وصولا إلى إشعال فتيل الحرب الأهلية، بدءا من "مجزرة الكرنتينا" وصولا إلى انطلاق أعمال المجموعات المسيحية الانعزالية ضد مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية، وتحت غطاء الاجتياحيْن الإسرائيليين لبيروت (1978-1982). وفي كلتا الحالتين كانت مشكلة الدولة المضيفة في لبنان والأردن قائمة مع مظاهر التسليح التي اشتغلت مخيمات اللجوء للقيام بنشاطاتها التي تنزع الطابع المدني والإنساني عن تلك المخيمات، وذلك سواء باعتبار ذاتي مرتبط بنزعة مسلحة منظمة من داخل اللاجئين أنفسهم، أو باعتبار مرتبط بدعم دولة مجاورة كما كان الشأن بالنسبة للدعم السوري للنشاطات الفلسطينية المسلحة في الأردن، أو باعتبار ضعف الدولة المركزية وانقسام قواها الوطنية وحملها للسلاح كما كان قد حصل في لبنان.
فالدول المضيفة لمخيمات اللاجئين تتشدد عادة في بسط ولايتها القضائية الكاملة على مخيمات اللجوء، ولا تسمح بأي تسلح مواز لحق الدولة في الاحتكار المشروع للسلاح عبر جيشها ومؤسساتها الأمنية، وهو ما يمكن إيجاده في حالات أخرى أكثر حداثة من حالات تسليح مخيمات اللاجئين، حيث يكون ضعف الدولة المركزية وعدم قدرتها على إنفاذ القانون هو السبب الذي يوفر بيئة حاضنة في مخيمات اللجوء، وليس بالضرورة تواطؤها. وهذا ما حصل لحكومة الكونغو الديمقراطية "زايير سابقا" خلال الفترة التالية للحرب الأهلية الرواندية، ولاسيما فيما يتعلق بتسليح مخيمات اللاجئين الهوتو في شرق البلاد، ما انتهى بحرب الكونغو الأولى للعام 1996، ونفس الشيء يمكن قوله عن مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد، واللاجئين الأفغان في باكستان، واللاجئين الروهينغا في بنغلاديش، وغيرها من الحالات التي لا تعلن فيها الدولة المضيفة أنها تتبنى الفعل المسلح المنطلق من داخل مخيمات اللاجئين، حتى وإن كانت ضعيفة وغير قادرة على مواجهته. ومن هنا تبقى حالة الجزائر فريدة من نوعها في هذا الباب، لأنها لا تتسامح فقط مع تسليح بوليساريو، بل تفوض للتنظيم الانفصالي جزءا من ولايتها القضائية، وعلى نحو غير قانوني، لم يحدث في العالم قبل ذلك، ثم إنها فوق كل هذا تتبنى نفس مشروع وشعارات بوليساريو التي لأجلها يحمل هو السلاح. 
فالتسليح غير القانوني وغير الشرعي لبوليساريو وباعتباره تهديدا صريحا لدولة جارة، يشكل خرقا واضحا للفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقية اللجوء الخاصة بمنظمة الوحدة الإفريقية، للعام 1969، والتي تنص على أن الدول الموقعة على هذه الاتفاقية تتعهد بأن "تحرم على اللاجئين المقيمين في أراضيها مهاجمة أية دولة عضو في المنظمة بأية أعمال من شأنها أن تولد توترا بين الدول الأعضاء وخاصة بالسلاح أو عن طريق الصحافة والإذاعة"، ولنا أن نتخيل أن الجزائر الموقعة على هذه الاتفاقية، تخلّ بالكثير من بنودها، بينما جمهورية بوليساريو التي تتشدق عند كل سانحة بعضويتها في منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، وفي الاتحاد الافريقي الذي خلفها، لم توقع إلى حدود اللحظة على هذه الاتفاقية، بينما المغرب بقي طرفا فيها حتى بعد مغادرته للمنظمة السلف، وجدد التزامه بها عند آخر جولة تصديق خلال منتصف العام 2019.
وحيث أن سلاح بوليساريو هو موجه أيضا لإنفاذ ولاية قضائية غير شرعية على "سكان المخيمات"، جرى تفويضها أيضا على نحو غير شرعي له من طرف سلطات الدولة المضيفة، فإن مجرد حمل ثلة من "اللاجئين" للسلاح داخل مخيمات اللاجئين يثير مبدئيا وواقعيا وقانونيا ارتباطه بواقعة الاحتجاز والاعتقال التعسفي وكل ما يدخل في خانة الجرائم ضد الإنسانية، لاسيما إذا ترافقت كل هذه المعطيات مع رفض مستمر ومستدام للدولة المضيفة أن تسمح للمفوضية السامية كي تقوم بإحصاء اللاجئين مع امتناعها هي القيام بذلك كما سبق شرحه وبيانه، وهذا الربط ليس تأملا فكريا عائما، ولا هو محض هواجس غير ذات أساس، بل إنه هو بعينه ما تتحدث عن عدد من الوثائق التوجيهية الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ولاسيما "دليل المبادئ التوجيهية التنفيذية بشأن الحفاظ على الطابع المدني والإنساني للجوء" الصادر في العام 2006، و"المذكرة الإرشادية بشأن الحفاظ على الطابع المدني والإنساني للجوء" للعام 2018، فضلا عن "دليل المعايير الخاصة باحتجاز طالبي اللجوء" للعام 1999، والذي جرى تحيينه في العام 2012، والذي يقضي بتطبيق المادة 35 من اتفاقية اللجوء، وينص هو وغيره على ذلك الربط بين فرضية الاحتجاز وبين نزع الطابع المدني والإنساني عن مخيمات اللجوء.
ولعل إعطاء المفوضية لنفسها الولاية على حالات الاحتجاز التعسفي، سواء أتعلق ذلك باللاجئين أم بطالبي اللجوء، أم بالمهاجرين غير الشرعيين، نابع من كون مجرد نزع الطابع المدني والإنساني عن مخيمات اللاجئين، يحولها تدريجيا إلى "معسكرات لاجئين" خصوصا إذا حبِلت تلك المعسكرات بممارسات من قبيل تجنيد الأطفال والذي يُعتبر جريمة ضد الإنسانية، شأنها شأن جريمة التهجير القسري للأطفال أو المتاجرة بهم عبر التبني الدولي غير المشروع خلافا لاتفاقية لاهاي للعام 1993 المنظِّمة للتبني الدولي، أو ووفادتهم إلى المعسكرات التعليمية في دول العصر الجليدي، وهذه الحالات كثيرة في مخيمات تندوف، وفي مقدمتها قضية "امربيه أحمد محمود أدا" التي صنفتها اللجنة الأممية المعنية بحقوق الإنسان باعتبارها قضية "تعذيب واحتجاز غير قانوني"، في مقرر صادر عن مجلس حقوق الإنسان في العام 2022. ولذلك فإن المفوضية لا تتوانى في دليلها المذكور عن التشديد على دور ولايتها "غير القضائية" على هذا الموضوع برغم كونه اختصاصا حصريا للفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، الذي جرى إنشاؤه بمقتضى قرار لجنة حقوق الإنسان السابقة رقم 42/1991، قبل توسيع مهامه لتشمل مسائل الاحتجاز الإداري لطالبي اللجوء والمهاجرين بمقتضى قرار اللجة رقم 50/1997.
3- إن هذه التعقيدات، وقرار الجزائر القاضي بالإبقاء عليها، عبر رفض إحصاء المحتجزين في مخيمات تندوف، وبقدر ما يخفي مسؤولية الدولة المضيفة عن ذلك الواقع المرير، فهو بالقدر نفسه يخفي رغبة تلك الدولة في إخفاء جرائم أسوأ ترتكب يوميا في حق أولئك المحتجزين، ومن شأن القيام بالإحصاء أن يكشف عنها تباعا وهي سلة خروقات وجرائم تنص عليها ترسانة القانون الدولي، بما فيها الاتفاقيات التي تعتبر الجزائر طرفا فيها، وفي مقدمتها مكان نصب المخيمات نفسه، والذي هو عبارة عن خرق سافر وواضح للفقرة السادسة من المادة الثانية من اتفاقية اللجوء الإفريقية التي تنص على أنه "ينبغي على بلدان اللجوء، لأسباب تتعلق بالأمن، وفي حدود إمكانياتها، أن تجعل إقامة اللاجئين على مسافة معقولة من حدود بلد منشئهم الأصلي"، فلماذا اختارت الجزائر رغم إمكانياتها الجغرافية والمالية أن يكون مكان المخيمات لصيقا بالحدود الجزائرية المغربية، لاسيما وأن ترسيم الحدود كان قد تم بين البلدين منذ العام 1972، والاتفاقية المذكورة كانت قد دخلت حيز النفاذ منذ العام 1974، أي قبل عام واحد تقريبا من اندلاع حرب الصحراء، وبدء مشكلة "اللجوء/المخيمات" والتي باشرت عليها المفوضية ولايتها رسميا منذ العام 1976؟؟.
فمن الواضح إذن أن الجزائر أرادت منذ البداية لتلك المخيمات أن تكون قواعد خلفية لنشاط بوليساريو العسكري، وإبعادها عن الحدود سيجعل تلك المهمة صعبة أو مستحيلة، حينما كان الرهان مايزال قائما على فصل الصحراء عن مغربها عبر "فرض أمر واقع" عسكري. وبعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار أصبحت وظيفة التصاق المخيمات بالحدود المغربية أداة لترويج دعاية قيام دولة بوليساريو، ولذلك لا تريد الجزائر لتندوفيي المخيمات ان يحصلوا على صفة لاجئ، والتي يستحقها من يستحقها منهم بمجرد استيفائهم للشروط الواردة في المادة الأولى من اتفاقية اللجوء (ألف/2)، أي أن يعبر حدود البلد الذي يحمل جنسيته أو الذي كان يقيم فيه في حالة عدم حمله لأي جنسية، للأسباب التي توردها المادة ذاتها، لكن أيضا بما لا يتناقض مع منطوق البند رقم 28 من دليل المفوضية السامية الخاص بإجراءات ومعايير تحديد وضع اللاجئ الصادر في العام 1979، والذي يميز بين الاكتساب الظاهري لشخص معين صفة لاجئ وبين الاعتراف به كلاجئ، وذلك على النحو الذي يجعل نصوص المفوضية وحتى قرارات مجلس الأمن وتقارير الأمين العام ومبعوثيه تصف ساكني المخيمات باللاجئين، في حين أن المفوضية لم تمنحهم بعد ذلك الوصف بسبب تعذر القيام بالإحصاء.
تكن الأهمية القانونية إذن هنا للتوصيف الظاهري الوارد في نصوص دليل الحماية الدولية الخاص بالمفوضية، في توفيره للمقدمة القانونية للتكييف، ذلك أن المفوضية في دليلها الذي بدأت تصدر أجزاءه منذ العام 2002، وجرى تدوينه في نص جامع في العام 2019، قد عملت في الجزء الحادي عشر منه على تبيان أهمية التوصيف الظاهري بسبب تعقد الأسباب التي تدفع إلى اللجوء، لكنها أفردت الأجزاء الثلاثة عشر لأكثر الأصناف تعقيدا، والتي يستحيل تمكينها من حقوقها المختلفة خارج استكمال الأخذ بالتعريف الظاهري بنهج آخر يعتمد التعريف الفردي، أي تناول كل حالة على حدة، لأن التوصيف الظاهري يمكّن فقط من تمييز اللاجئ الذي عبَر الحدود للأسباب التي تحددها الاتفاقية، عن النازح الذي قد يضطر لأن يغادر منطقة عيشه داخل حدود دولة الانتماء، وفي هذه الحالة فإن تحديد وضع اللاجئ بالمفرد يصير هو الأساس للتمييز بين ترسانة قوانين واتفاقيات الهجرة وانعدام الجنسية، وبين نصوص القانون الدولي المنظم للنزوح والتشرد الداخلي، واللذان يؤطرهما قرار الجمعية العامة رقم 182/46 الصادر عام 1991، الخاص "بتنسيق المساعدة الإنسانية الطارئة" والمؤسس على نصوص العام 1971 لذات الغرض، وكلاهما يتقاطعان مع اتفاقيات جنيف الأربعة المؤسسة للقانون الدولي الإنساني، لاسيما في الجوانب المرتبطة بتسبب الحروب والنزاعات المسلحة في دفع المدنيين إلى "الهجرة القسرية" سواء أكانت نزوحا داخل تراب الوطن أو لجوءا خارجه.
فالغرض إذن من حديث المفوضية المسهب عن ضرورة الاعتراف الفردي التالي للاعتراف الظاهري هو تمييز اللاجئ عن أصناف أخرى، لتمتيع اللاجئ بسلة حقوق تدور وجودا وعدما حول مبدأ "الحماية الدولية"، ومن هنا الصلاحيات التي أعطتها المفوضية لنفسها حتى فيما يخص الولاية على قضايا النزوح الداخلي في دليل العام 2019، وتأسيسا على الفقرة 12 من قرار الجمعية العامة رقم 116/48 الصادر عام 1993، وذلك لكون مخيمات اللاجئين قد تختلط فيها حالات النزوح باللجوء كما حصل في رواندا والبوسنة والسودان، بل وإن اللاجئين أنفسهم حينما يكونون في وضع الاعتراف بالظاهر فقط؛ قد يتحولون إلى نازحين بسبب أعمال العنف، فضلا عن مشكلة اللاجئين على اللاجئين الفلسطينيين، والتي خصصت لها المفوضية القسم الثالث عشر من دليل الحماية الدولية المذكور، وذلك بسبب خروج اللاجئين الفلسطينيين عن ولايتها كما تقدم بيانه.
ولنا أن نتخيل هلع العسكر الجزائري من مجرد عثور المفوضية إن سُمح لها بالإحصاء على من يزعم أنه يقيم في المنطقة العازلة، بدعوى أنه من سكان الجمهورية المزعومة على الجزء التي تزعم أنه من "مناطقها المحررة"، ففي هذه الحالة، وحيث أن مرجعية المفوضية هي قائمة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فإنها ستعتبر هؤلاء نازحين داخليا، وبمقتضى ولايتها المذكورة، فإنها ستحيلهم إلى المقرر الأممي المعني بحقوق الإنسان للمشردين داخليا، عملا بمضمون قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 14/6 للعام 2010، والذي يحث المفوضية، في فقرته السادسة عشرة، من بين من يحثهم من دول وكالات أممية على التعاون مع المقرر، والذي يرأس الفريق الأممي المعني بالنازحين، وهو القرار الذي أحدث ولاية هذا المقرر وتضمن أيضا الإشارة إلى مقتضيات اتفاقية كمبالا للنازحين التي اعتمدها الاتحاد الافريقي في العام 2009. وهو ما يعني أن الاحتفاظ بالتوصيف الظاهري دون تمكين المفوضية من إعمال تصنيف فردي، من شأنه أن يردم هذا المأزق من بين مآزق جمة أخرى.
4- فكيف يمكن إذن توفير الحماية الدولية لكمٍّ مُهمَل من الأفراد يوصفون بالظاهر فقط بكونهم لاجئين؟، وكيف يمكن توفير حقوقهم في التنقل والعمل والتعليم والإقامة، والتي تسهب في تحديدها اتفاقية اللجوء، فضلا عن حقوقهم في عدم الإعادة القسرية (الفقرة الأولى من المادة 33 من اتفاقية اللجوء)، أو الحق في إعادة التوطين ونقل الممتلكات (المادتان 8و9 من النظام الأساسي للمفوضية)؟، كيف السبيل إلى ذلك والإحصاء لم يتم لحدود اللحظة، والدولة المضيفة لم تقم به؟، بل إن تبعات ذلك الوضع أنه انتج سلسلة لا حصر لها من المعضلات الإنسانية تبدأ من الغياب التام للولوجية إلى حقوق اللجوء، وتصل إلى عدم تمكن هذا اللاجئ "حسب التعريف بالظاهر" من إيجاد قبر لجثمانه داخل بلاده بعد أن يلتحق بجوار ربه، ولعل القياس على حالة زعيم التنظيم الانفصالي الراحل عبد العزيز المراكشي الذي لم يظفر بقبر معلوم بالكاد في بلد اللجوء لَكافٍ بأن يميط اللثام عن طامة كبرى يعيشها تعداد بشري مبهم، فماهي جنسية المتوفى حينما كان حيا حتى يقبل المغرب باستقبال جثمانه بعد وفاته؟.
إن رفض إحصاء اللاجئين وتمتيعهم بحقوقهم يطرح بحدة مشكلة الجنسية والتجنيس، فاللذين يفترض فيهم أنهم يحملون جنسية البلد الذي ينتمون إليه، والذين يحق لهم حسب اتفاقية اللجوء أن يحملوا جنسية بلد اللجوء إن اختارت سلطات البلد المضيف أن تفعل ذلك، ليسوا في نظره في حالة تندوف سوى مادة للاستعمال السياسي، لأن هذا اللاجئ بالظاهر وفي ظل غياب تعريف فردي له، يمكن أن يتحول بقدرة قادر إلى وزير أو رئيس جمهورية أو قائد عسكري أو مسؤول أمني أو قاضٍ، فقط لأن البلد المضيف يعامل هؤلاء اللاجئين "حسب مزاجه" تارة على أساس أنهم "لاجئين" وتارة على أساس أنهم سكان في دولة قائمة ولديها عضوية في منظمة إقليمية، وبالتالي فتوصيف إبراهيم غالي على سبيل المثال بكونه لاجئا لا يخدم مطلقا هذا الغرض، كما أن تجنيسه بالجنسية الجزائرية لن يفيد سوى لضمان مروره إلى المؤتمرات والأسفار غير المعلنة، وفي كثير من الأحيان بجواز سفر مزور وبهوية مزورة كما حصل ذات يوم من أيام العام 2021.
بيد أن المغرب لم يواجهه يوما بكونه مغربيا، لا هو ولا سابقيْه، بالرغم من انحداره من ضواحي مدينة ابن جرير، هناك حيث ما يزال يرقد جثمان جده لأبيه، والذي يحمل نفس اسمه بالمناسبة، لأن المغرب يُدرك جيدا –في تقديري التحليلي- جوهر المعضلة المرتبطة بجنسية اللاجئين، ولذلك فالمراكز القنصلية المغربية في الجزائر وموريتانيا مفتوحة في وجه من أراد أن يسوي وضعيته قيد حياته، أما من اختار العكس بمحض إدارته أو جرى إجباره على ذلك، فالسبيل الوحيد لكي نعرف ذلك هو أن تقوم المفوضية بإحصاء تندوفيي المخيمات أو أن تتعاون معها الدولة المضيفة انطلاقا من منطوق المادة 35 من الاتفاقية المذكورة، وإلا فإنه حينما سينتهي النزاع وينتهي معه "وضع اللاجئ" ولو كان قد تم تحديده بالظاهر، فإن مشكلة غالي ومن على شاكلته ستجعلهم يتحولون من "لاجئين" بالظاهر إلى أشخاص عديمي الجنسية تنطبق عليهم اتفاقية العام 1954، ما لم تنعم عليهم الجزائر بمنحهم جنسيتها ولو بأسماء أخرى على غرار "ابن بطوش".
وبالتالي فإن تحديد وضع اللاجئين عبر المنهج الفردي سينعكس رأسا على مسألة إنهاء ذلك الوضع، مع ما يترتب عليه من حقوق، وهي الأحوال التي ينص عليها القسم الثالث من المبادئ التوجيهية بشأن الحماية الدولية، والذي يتصل بـ"انقضاء صفة اللاجئ بموجب المادة 1/ج 5 و6 من اتفاقية العام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين"، فما يصطلح على تسميته بـ"انقضاء الظروف" يؤطره بندا "التوقف"، و"الاستبعاد" المنصوص عليهما في البند الثلاثين من دليل إجراءات ومعايير تحديد وضع اللاجئ المشار إليه سابقا، واللذيْن يحدد لهما البند الحادي والثلاثين من نفس الدليل معانيهما، باعتبار أن التوقف يُشير إلى "الظروف التي يتوقف بموجبها اللاجئ عن كونه لاجئًا، بينما يُعدد الثاني الظروف التي يُستبعد فيها الشخص من تطبيق اتفاقية العام 1951"، واللافت هنا أن نفس البندين 30 و31 يميزان بين "استيفاء اللاجئ للمعايير الإيجابية لبنود الشمول التي يجب أن يستوفيها الشخص ليصبح لاجئًا" ليكون ذلك الشمول هو الخلفية النظرية للتعريف الظاهري للاجئ كما أسلفنا، وليكون التوقف والاستبعاد هما الجزء الذي لا يحدده سوى تحديد الوضع الفردي للاجئ، وهو ما يعني أن ثمة شروطا معينة لكي يكتسب اللاجئ صفة لاجئ بالمعنى القانوني الدقيق، وبالمقابل فإن ثمة تعقيدات ستطال أيضا انقضاء الظروف وبالتالي توقف أو استبعاد صفة اللاجئ.
ومن هنا فإن البند الثالث من القسم الثالث من المبادئ التوجيهية بشأن الحماية الدولية قد منح للمفوضية وللدول الموقعة على اتفاقية اللجوء صلاحية "إصدار إعلانات رسمية بإنهاء عام لصفة اللاجئ لفئة محددة من اللاجئين". إضافة إلى تمتيعه للمفوضية بهذا الاختصاص بموجب المادة 6/أ من النظام الأساسي لمفوضية اللاجئين، وأيضا بمقتضى المادة 1/ج من اتفاقية العام 1951. على أن غياب ذلك الإعلان بالنسبة للمفوضية لا يتناقض مطلقا مع عودة اللاجئين طواعيةً إلى أوطانهم دون إعلان رسمي بأن الظروف في بلدانهم الأصلية لم تعد تبرر الحماية الدولية، حسب منطوق نفس البند، والذي يستثني أيضا الحالات التي تمنح فيها الدول الأطراف صفة "الإقامة الدائمة للاجئين في أراضيها بعد عدة سنوات، مما يؤدي في النهاية إلى اندماجهم وتجنيسهم (المادة 34 من اتفاقية 1951). ولا يقف عقبة أمام مقتضيات الانهاء وحالاته تلك سوى مشكلة تثبيت الحق في "عدم الطرد " و"عدم الإعادة القسرية" المنصوص عليهما في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 32 من اتفاقية اللجوء، والفقرة الأولى من المادة 33 منها أيضا بنفس للحق في "عدم الإعادة القسرية"، وكذلك الحق في إعادة التوطين المشار إليها في الفقرة الثالثة من المادة 32 في حالة ثبوت ما يوجب تطبيق بُندي التوقف أو الاستبعاد على اللاجئ.
وكما يوجد ثمة "تعريف بالظاهر" استنادا إلى بنود الشمول، فإن ثمة سوابق للوقف العام للجوء، كما حصل في الإعلانات الرسمية الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن انطباق بنود وقف اللجوء على اللاجئين من بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر واثيوبيا في العام 1991، وتشيلي في العام 1994، وجمهوريتي ملاوي وموزامبيق في العام 1996، وبلغاريا ورومانيا في العام 1997، فضلا عن إعلان انتهاء الوضع الخاص بتيمور الشرقية خلال العام 2002. وهي كلها حالات توفرت فيها بنود الشمول والوقف والاستبعاد، أي شروط الوضع الظاهري والتحديد الفردي، ولذلك فإن مشكلة مخيمات تندوف تكمن أساسا في كونها بقيت طوال نصف قرن عالقة في المستوى الأول، ولدى صدور إعلان للوقف العام سيصبح من اللازم القيام بإحصاء قبله لمنح صفة اللاجئ استنادا إلى المنهج الفردي لتمكين اللاجئين من حقهم في رفض الإعادة القسرية وحقهم في إعادة التوطين حتى لو انقضى الوضع العام.
إن هذا الحق مكفول لكل من يمتلك صفة لاجئ استنادا إلى المنهج الظاهري، لاسيما إن كان ضحية للاختطاف أو التعذيب أو الاحتجاز القسري أو الاتجار بالبشر أو الاغتصاب أو تعرض خلال طفولته للتهجير القسري أو التجنيد (حالة امربيه أحمد محمود أدا)، أو للتبني الدولي غير المشروع المخالف لاتفاقية لاهاي (حالة الطالب علي سالم الذي تبنته عائلة إسبانية وهو طفل بالتزامن مع تعرض والده لاعتقال تعسفي، ما انتهى بإنتاج إنسان مغسول الدماغ يدافع عن جلاديه)، وبالنظر إلى تناسل حالات التعامل اللإنسانية التي وصلت إلى القضاء الإسباني كقضية خديجتو محمود التي تتهم ابراهيم غالي باغتصابها، أو قضية الفاضل بريكة الذي صدر بشأن قضيته رأي الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي رقم 7/2020. 
فكيف يمكن لمن يعيش هذه الظروف أن يطالب يوما ما عبر المفوضية أو الدولة المضيفة أن يُستثنى من إعلان الانقضاء العام وأن يجري تمتيعه بالحق في الحماية الدولية "عدم الإعادة القسرية أو إعادة التوطين"؟، كيف السبيل إلى ذلك وهؤلاء عاشوا معظم سنوات عمرهم في واقع أشبه بـ"حياة ماعز" حتى في ظل وجود نزاع أنتج وضعا عاما/ظاهرا يتيح لهم "ظاهريا" التمتع ببنود الشمول؟ وكيف سيتمتعون بالاستثناء وهم لم يتمتعوا حتى بحق تحديد الوضع الفردي، ناهيك عمّا توثقه المنظمات الحقوقية والوكالات الأممية من احتجاز إداري تعسف في حق طالبي اللجوء الآخرين من سوريين أفارقة في بلد نظامه العسكري لا يرحم ولا يترك مجالا لرحمة الله كي تنزل على عباده؟؟.
5- تريد الجزائر لكل هذه الأصناف أن تبقى كمّا مهملا يجري توظيفه سياسيا في وجه الوحدة الترابية المغربية؛ تارة باعتباره سكانا لدولة عضو في الاتحاد الافريقي، رغم أنه يستحيل عليها وعلى بوليساريو أن تثبت أين يستقر هؤلاء السكان؟ ومتى صوَّتوا على دستور جمهورية بوليساريو؟؛ على ما يطرحه هذا البياض من إشكالات جمة تشوش على مسار مكافحة التغييرات غير الدستورية في الاتحاد الإفريقي وتجعله مجرد هراء، بل إن مجرد إثبات استقرار أي إنسان من تندوفيي المخيمات شرق الجدار العازل يكيف وضعيته قانونيا ودون نقاش كنازح نزوحا داخليا. وبالمقابل تستمر الجزائر في احتجاز أولئك التندوفيين بشتى أنواع الاحتجاز، أولا بمنعهم من الحصول على صفة لاجئ مع ما تمكنهم إياه من حقوق تستمر حتى ولو انقضى وضع اللجوء العام، وثانيا باخضاعهم لولاية قضائية غير قانونية يمثلها جسم مسلح؛ المفروض أن أعضاءه لاجؤون لا غير.
ومن هذين الاحتجازين تتفرع شتى أشكال الاحتجاز الأخرى، وفي مقدمتها المخيمات التي تحولت إلى بيئة لجوء طويل الأمد متجاوز لمدة خمس سنوات حسب معايير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وتصل إلى سبعة عشر عاما كحد أقصى بحسب معايير مركز دراسات اللاجئين التابع لجامعة أوكسفورد، وبالتالي فمن المفروض أن تتحول بيئات الاستقبال تلك من "مخيمات مؤقتة للاجئين" إلى مستوطنات لاجئين تتوفر فيها مختلف شروط العيش الكريم، على غرار مستوطنتيْ "بيدي بيدي" و"ناكيفالي" وفي أوغندا، أو ادماجهم في مجتمع دولة الاستقبال، مع حفظ حقهم في إعادة التوطين أو العودة الطوعية إلى موطنهم. لكن كيف السبيل إلى ذلك وهذا التعداد البشري مايزال إلى حدود اللحظة غير مستقر على رقم محدد، بل إن الدولة المضيفة تريد لذلك اللغط بشأن العدد أن يستمر، بل ولم تقم ولو بإجراء واحد يحول دون إجلاء مظاهر العبث بالمساعدات ونهبها، أو ملاحقة أفعال مسلحي بوليساريو ضد المحتجزين حتى إشعار آخر.
فمنذ منتصف التسيعينات زعمت الجزائر أن تعدادهم يبلغ 165.000 بينما تبنت المفوضية رقما مرجعيا مقداره 90.000 فقط منذ العام 2005، وذلك بناء على تقديرات لوائح لجان شيوخ تحديد الهوية وفق آخر حصر عند متم العام 1999، والذي قدّر المعنيين في الصحراء المغربية وفي مخيمات تندوف بـ86.686. وعند نهاية العام 2017 قدرت بتحفظ المفوضية أن تعداد المتواجدين في المخيمات يبلغ حوالي 173.600، معتمدة مقارنة تثليثية لبيانات التعليم والهوية ومراكز التلقيح، مع استثناء الطلاب خارج المخيمات وكبار السن، حيث أن الفئة الأخيرة خصصت لها المفوضية وضعا خاصا بمقتضى مخرجات اجتماعها السابع عشر للجنتها الدائمة في العام 2000، تأسيسا على قرار الجمعية العامة رقم 46/91 للعام 1991 الخاص بـ"تنفيذ خطة العمل الدولية للشيخوخة"؛ ولاسيما في الحيثية الخامسة والبند الثاني عشر من التوصيات. 
فالأمر إذن متعلق بتعداد مبهم متضارب غير دقيق، وإذا أخذنا بأرقام المفوضية فهي مجرد بيانات لا تزعم المفوضية نفسها أنها تُكسب حقوق اللاجئين في الحماية الدولية، ولا تحل محل الإحصاء الدقيق، بل هي جهود نظرية افتراضية لتسهيل تعاونها مع برنامج الأغذية العالمي بغرض توزيع المساعدات على تندوفيي المخيمات، والذين يوجد بينهم الاف الأشخاص القادمون من دول الجوار، وبينهم مقاتلون أجانب، وأشخاص عديمو الجنسية، ناهيك عن الأطفال مجهولي النسب وربما من أبناء وافدين قادمين من جنسيات أخرى، وربما بينهم "لاجؤون بيئيون" وغيرهم من الفئات التي لن يفرزها ويحسم فيها سوى إجراء إحصاء دقيق. فهل ينبغي القفز على كل هذه التعقيدات والمآسي والحيثيات الدقيقة والبناء على حرية التنقل والسفر والإقامة في فنادق أوروبا الممنوحة حصرا لفئة المُنْعم عليهم من قيادات وعناصر بوليساريو؟ وهل ينبغي أن نضرب بكل ترسانة القانون الدولي المنظمة لشؤون اللاجئين عرض الحائط والقول مع بوليساريو: ""لا حاجة إلى أي إحصاء؛ كل من هناك هم لاجؤون، وبمحض إرادتهم"". وفي نفس الوقت ينبغي لنا أن نتغاضى عن أن بوليساريو يُدير جمهورية لديها "مناطق محررة" لكنه يفضل أن يُبقيَ "اللاجئين" في تندوف؟؟!!.
فقد بات مفهوما بوضوح الآن إذن لماذا تصر الخطب الملكية واللغة الدبلوماسية المغربية على نعت تندوفيي المخيمات بـ"المحتجزين"، لأنها مرجعيات تحتج بالقانون الدولي وقضاياه وطرائقه في معالجة النوازل الدولية. نقرأ على سبيل المثال في الخطاب الملكي للذكرى التاسعة الأربعين للمسيرة الخضراء ما يلي: " (...) فهناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي نفس الوقت، يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق". إنها عبارات جامعة مانعة توجز كل ما تقدم، فالأمر إذن حسب هذه المرجعية الوطنية العليا يتعلق بتوصيف قانوني دقيق، وبنضال وطني حقوقي لا يترك أن جانب من جوانب النزاع المفتل إلا ويوليه الأهمية اللازمة له. وهو موقف تسبب ثباته وصلابته المتواصلين في جعل البوليساريو والجزائر يتخبطان حيال الكثير من المحطات الدبلوماسية والقانونية ومن ضمنها إجراءات بناء الثقة انتهاءً بإجهاضها تماما، والبحث عن حجج واهية للترويج لـ"متسللين" يريدون العودة دون تسوية أوضاعهم عبر قنصليات المغرب في الجزائر وموريتانيا.
إن وصف "المحتجز" ليس سبّة للإنسان المعني بهذا الوضع القاتم، ووصف "لاجئ" ليس بالمقابل تشريفا له، بل مقدمة فقط لتمكينه من حقه العادل والدائم والمشروع في العودة إلى وطنه أو الإقامة الكريمة في بلد اللجوء أو حتى طلب إعادة التوطين، على أنه من الاحتجاز ما يرتبط بأنماط ثقافية وسوسيولوجية تتمثل في حجز الإنسان داخل قوالب معينة للعيش وحشو دماغه بما يحجزه ليتحول إلى آلة دعائية تعيد اجترار كلام جلاديه وحاجزيه، ولا غرابة هنا إذا استمر أحدهم في لَوْك نفس كلام جلاديه حتى وهو قد تحرر من قبضتهم، لكن المهم في وجه كل هذا هو أن يفهم من يعيد قصدا أو عفوا اجترار دعاية بوليساريو والجزائر بخصوص هذا الموضوع أن مِبضع العلم، "علم القانون في هذا الحالة" لا يحابي جلد أحد، وليقبلوا هذا الدرس المختصر، وليفصلوا النضال المشروع والشريف من أجل حقوق ساكنة الأقاليم الجنوبية المغربية، عن التلّحف بلحاف مرقع ببقايا الدعاية الانفصالية. فأن يقوم أفراد الأمن في دولة ما بنصب حاجز أمني فإن ذلك يكون عملا مشروعا من الناحية القانونية، وأن تقوم عصابة بنفس السلوك فإن الأمر يُصبح قطعا للطريق واحتجازا غير قانوني للناس.
حاولتُ قدر الإمكان أن أجعل هذا النص مسترسلا وبلغة بسيطة وعلى نحو سجالي يسوّغ لغير المتخصصين قراءته، وذلك بغرض توجيهه إلى جمهور عام مهتم بالموضوع ربما أفضل حتى من بعض المتخصصين، ومن حقه أن يتلقى مادة كهذه، بقدر ما أن القضية لا تهمّ المجتمع العلمي فقط. لكن مضمون هذا النص هو مستوحى من مكونات ورقة بحثية يجري توضيبها وسيجري نشرها في أقرب الآجال. ذلك أن رهان العلم هو أن ينفذ ويصل إلى العقول عبر مختلف الصيغ المدرسية وغير المدرسية، وشخصيا خضتُ وأخوض رهان توسيع نطاق المهتمين بالعلم الاجتماعي وقضاياه وإشكالاته، بالشكل الذي يجعله يقوم بوظائفه ولا يبقى حبيس ندوات ومؤتمرات ومجلات المتخصصين، وبلغة لا يفهمها إلا المتخصصون، فيما يبقى الرأي العام بصدد القضايا الكبرى فريسة سهلة أمام المتنطعين والمتطفلين وذوي النيات السيئة.