على رمال الشواطئ المغربية… مهن صيفية يراهن عليها الشباب لمواجهة شبح العطالة

على رمال الشواطئ المغربية… مهن صيفية يراهن عليها الشباب لمواجهة شبح العطالة بالنسبة للشباب العاطلين، تشكل هذه المهن فرصة ذهبية لتأمين دخل سريع دون الحاجة إلى شهادات
حتى بدايات شهر شتنبر تتبدل ملامح الشواطئ المغربية، فالمساحات الرملية التي كانت قبل أسابيع هادئة وخالية، تتحول فجأة إلى فضاء نابض بالحركة، تملؤه أصوات الباعة ونداءات الأطفال وضحكات المصطافين. هنا، لا يقتصر المشهد على البحر والأمواج، بل يمتد إلى أنشطة اقتصادية موسمية خلقت فرص عمل لآلاف الشباب، وإن كانت قصيرة العمر.

على طول الشواطئ المغربي من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، يمكن رؤية مؤجري المظلات والكراسي، وباعة المثلجات والمشروبات الباردة، وأصحاب عربات الذرة والفشار، وحتى من يقدمون خدمات التصوير أو ركوب الجمال والخيول. هذه المهن تظهر مع الصيف وتختفي بانتهائه، لكنها بالنسبة للكثيرين تشكل مصدر رزق رئيسيا.

شهادة من الميدان.. موسم الذهب المؤقت
رشيد أمسطوك، شاب في الخامسة والعشرين ينحدر من مدينة وزان، يقف خلف عربة صغيرة تزينها صور المثلجات الملونة. يقول وهو يضع قطع الثلج في صندوقه المبرد: "أعمل هنا كل صيف منذ خمس سنوات. في ثلاثة أشهر يمكن أن أربح ما يعادل نصف دخل السنة كلها. لكن الأمر لم يعد كما كان… المنافسة أكبر، والأسعار ارتفعت، والزبائن أصبحوا يحسبون كل درهم.
على ول الشاطئ، ينافسه عبد القادر، الذي استأجر مساحة على الشاطئ لوضع المظلات والكراسي. يروي تجربته قائلا: كنت أعمل مع والدي في هذه المهنة منذ الصغر. في الماضي، كانت الأمور أبسط والأرباح أوفر. الآن، ندفع مبالغ كبيرة للجماعة المحلية من أجل الترخيص، وفي المقابل يقلّ الإقبال في بعض الأيام، خاصة إذا كان الطقس متقلبا.

فرص عمل… ولكن ليست للجميع
بالنسبة للشباب العاطلين، تشكل هذه المهن فرصة ذهبية لتأمين دخل سريع دون الحاجة إلى شهادات أو خبرة طويلة، فكثير منهم يأتون من قرى داخلية ويقيمون في مساكن بسيطة قرب الشاطئ طيلة الصيف.
ومع ذلك، فإن هذه الفرص لا تخلو من المخاطر، إذ لا وجود لعقود عمل أو ضمان اجتماعي. كما أن المداخيل ترتبط مباشرة بحالة الطقس وعدد المصطافين، ما يجعلها غير مستقرة.

الأرقام تكشف حجم الظاهرة
وفق تقديرات غير رسمية لجمعيات محلية، توفر المهن الموسمية على الشواطئ المغربية ما بين 30 و50 ألف فرصة عمل مؤقتة كل صيف، تتوزع بين الباعة المتجولين، ومؤجري المعدات، وعمال المقاهي والمطاعم الساحلية.
أما المداخيل، فتختلف بحسب الموقع وعدد الزبائن، إذ يمكن لمؤجر المظلات أن يحقق ما بين 500 و1500 درهم يوميا في الشواطئ الكبرى خلال ذروة الموسم، بينما يكتفي بائع المثلجات أو المشروبات بمعدل 300 إلى 800 درهم يوميا.

الدراسة التي أنجزتها وزارة السياحة سنة 2022 تشير إلى أن الأنشطة الموازية للسياحة الشاطئية تسهم بحوالي 15% من إنفاق المصطافين، وهو ما يعني أن جزءا مهما من دورة المال الصيفية يذهب مباشرة إلى جيوب العاملين في هذه المهن.

تحديات متزايدة
غير أن واقع الحال، يؤكد، وفق ما استه "أنفاس بريس" من معطيات، أن مهن الشواطئ تواجه عدة عراقيل في السنوات الأخيرة، أبرزها المنافسة العشوائية، حيث ينتشر بائعون غير مرخصين يزاحمون العاملين المنظمين، إلى جانب ارتفاع تكاليف الاستغلال، خاصة الرسوم التي تفرضها الجماعات المحلي، علاوة على تراجع القدرة الشرائية للمصطافين، مما يقلل من حجم الإنفاق على الخدمات الترفيهية.

بين الحنين والابتكار
رغم هذه التحديات، لا يزال كثيرون متمسكين بهذه الأنشطة، مدفوعين بالأمل في موسم أفضل أو بذكريات سنوات الرواج. وفي المقابل، بدأ بعض الشباب في إدخال أفكار جديدة، مثل تقديم مشروبات مبتكرة، أو عروض تخفيضات جماعية، أو حتى خدمات رقمية لحجز المظلات عبر الهاتف.

ومع حلول شمس شتنبر المقبل، سيبدأ الشاطئ في استعادة هدوئه. المظلات تُطوى، والعربات تُخزَّن، وأصحاب المهن يعودون إلى مدنهم وقراهم في انتظار صيف جديد. وبين نهاية موسم وبداية آخر، تبقى هذه المهن شاهدا على قدرة الشباب المغربي على التكيف مع الفرص، حتى وإن كانت قصيرة العمر، وعلى كون البحر ليس فقط متنفسا للترفيه، بل فضاء لكسب الرزق.