مصطفى عنترة: المشاركة السياسية لمغاربة العالم.. رهان ديمقراطي واستراتيجي.

مصطفى عنترة: المشاركة السياسية لمغاربة العالم.. رهان ديمقراطي واستراتيجي. مصطفى عنترة
يشهد ملف مغاربة العالم دينامية لافتة، تقودها توجيهات وخطب الملك محمد السادس، التي خصت هذا المكون الوطني برؤية واضحة لإعادة هيكلة مؤسساته وتعزيز دوره في خدمة الوطن. ففي خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، رسم جلالته خارطة طريق جديدة تقوم على ثلاث ركائز: 
ـ تجديد مجلس الجالية المغربية بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة تضطلع بدور استشاري وتعبر عن تمثيلية حقيقية لمختلف مكونات الجالية؛
ـ إحداث المؤسسة المحمدية لمغاربة الخارج، كذراع تنفيذي لتجميع الصلاحيات المشتتة وتنسيق وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية الخاصة بالجالية؛
ـ  رقمنة المساطر الإدارية وتبسيطها، وتشجيع الاستثمار وتثمين الكفاءات المغربية بالخارج.
هذه الدينامية الملكية تزامنت مع إطلاق مشاورات سياسية يقودها وزير الداخلية، استجابة لدعوة جلالته بضرورة إعداد القوانين الانتخابية قبل نهاية السنة الجارية، استعدادا للانتخابات التشريعية سنة 2026. ومن الطبيعي أن يطرح ملف المشاركة السياسية لمغاربة العالم بقوة على طاولة النقاش، خاصة في ظل مواقف بعض الأحزاب، وعلى رأسها حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية الذي أبدى مؤخرا مواقف داعمة لإشراك مغاربة العالم بشكل أوسع.
اليوم، يتجاوز عدد مغاربة العالم ستة ملايين نسمة، موزعين على أكثر من مئة دولة، ويتواجدون بكثافة في أوروبا الغربية ودول المشرق العربي وإفريقيا والولايات المتحدة وكندا وآسيا... هذا الانتشار الجغرافي الواسع يجعل تمثيلهم السياسي ضرورة وطنية، على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول الأوروبية والإفريقية، التي تخصص دوائر انتخابية لجالياتها بالخارج.
إلى جانب ذلك، هناك حركية مدنية متنامية وسط مغاربة العالم، حيث أعدت حركات وجمعيات نشيطة أوراقا ومذكرات حول المشاركة السياسية بناء على دراسات مقارنة مع تجارب دولية رائدة، مما يجعلها قوة اقتراحية يمكن البناء عليها.
فرغم أن موضوع المشاركة السياسية لمغاربة العالم كان حاضرا في الأجندة الوطنية منذ سنوات، إلا أن الصيغ المقترحة ظلت محل جدل، أبرزها فكرة تمثيلهم في مجلس المستشارين، وهي صيغة تصطدم بإكراهات دستورية لضمهم كمكون برلماني رسمي داخل الغرفة الثانية، ذلك ان إدماجهم يتطلب مراجعة دستورية.
في المقابل، يبرز اتجاه للبحث عن صيغ مبتكرة تمكنهم من المساهمة في صياغة القرار السياسي والدفاع عن مصالح وطنهم، على اعتبار أن التمثيلية ليست مجرد مطلب فئوي، بل رافعة لتعزيز التجربة الديمقراطية، خصوصا في ظل وجود تحديات إقليمية ودولية، وحركات معادية في الخارج، وحملات دعائية منظمة تستهدف النيل من مصالح البلاد وضرب صورتها.
 فالجاليات، إذا ما أُحسن تأطيرها، قادرة على لعب دور دفاعي قوي عن قضايا المغرب في مختلف المحافل الدولية، كما تفعل جاليات دول أخرى نجحت في تحويل مواطنيها بالخارج إلى قوة ناعمة ضاغطة لصالح مصالحها الاستراتيجية.
اليوم، ومع انطلاق ورش إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج، وإحداث المؤسسة المحمدية لمغاربة الخارج، يصبح من الضروري أن تتكامل هذه الإصلاحات مع إقرار آلية واضحة للتمثيل السياسي المباشر، سواء عبر دوائر انتخابية بالخارج أو من خلال صيغ مبتكرة تراعي الواقع الجغرافي للجالية. ولهذا فالرهان لم يعد تقنيا فقط، بل هو رهان وطني على تعزيز الوحدة الداخلية وتقوية الجبهة الخارجية.
تسريع تنزيل هذه الرؤية الملكية، بالتوازي مع حسم مسألة المشاركة السياسية في أفق 2026، سيكون بمثابة اختبار حقيقي لإرادة الدولة في تحويل مغاربة العالم  إلى شريك فعلي في التنمية  والديمقراطية والدفاع عن القضايا الوطنية، بدل حصر دورها في التحويلات المالية!
نجاح هذا الورش يتطلب إرادة سياسية واضحة، وحوارا جديا بين مختلف الفاعلين، ورؤية قانونية ودستورية تضمن تمثيلية فعلية وفاعلة لمغاربة العالم، بما يتجاوز المقاربة الرمزية إلى المساهمة الجوهرية في صناعة القرار الوطني.
مغاربة العالم يمتلكون ارتباطا وجدانيا وثقافيا عميقا بوطنهم، يشكل رصيدا استراتيجيا ثمينا ينبغي صونه وتعزيزه واستثماره على نحو فعال. ويتطلب ذلك تمتيعهم بكامل حقوقهم الدستورية في المواطنة، بما يشمل المشاركة السياسية تصويتا وترشيحا، وضمان تمثيلهم في البرلمان عبر دوائر انتخابية بمختلف دول الإقامة، إلى جانب حضورهم في مجالس وهيئات الحكامة. كما يستوجب الأمر تعزيز روابطهم بالوطن من خلال سياسات عمومية دامجة، ومبادرات ثقافية وتربوية تغذي شعور الانتماء لدى الأجيال الصاعدة في المهجر، دون أن يتعارض ذلك مع اندماجهم الإيجابي والبناء في مجتمعات الإقامة.
إن لحظة 2026 قد تكون محطة مفصلية في مسار إشراك مغاربة العالم في القرار السياسي، وإذا ما أحسنا استثمارها، سنكون أمام خطوة متقدمة نحو ديمقراطية أكثر شمولا، ووطن أكثر قوة بمواطنيه داخل البلاد وخارجها.
 
د مصطفى عنترة، كاتب صحفي.