تتجلى هذه الطاهرة في النمودج المغربي بوضوح في ما يمكن تسميته بالتمنيط المصطلحي... اي تحويله إلى قالب لغوي جامد، ذي دلالة نمطية متفق عليها اجتماعيا وإن فقد ارتباطه بمعناه الأولي.. .
لهذا فإننا نرى كثيرا ألفاظا كانت في الأصل محايدة أو وظيفية تحولت إلى رموز ثقافية وسياسية تحمل شحنات وجدانية وأيديولوجية....
على سبيل المثال مصطلح"المخزن"..،. والذي هو لفظ تاريخي كان يشير إلى المؤسسة المادية التي تُخزن فيها المؤن أو إلى النظام الإداري التقليدي، غير انه في التداول المعاصر أصبح توصيفا سياسياً واسع الدلالة، يجمع بين السلطة والهيمنة والرقابة وغيرها من المصطلحات المثيرة للجدل...
كلمة "الحكرة", هي أيضا كلمة عامية تصف الإحساس الشخصي بالظلم أو التحقير، لكنها اليوم تحمل حمولة احتجاجية واجتماعية تستعمل كرمز للتنديد ببنية كاملة من العلاقات غير المتكافئة...
مصطلح "التشرميل".. هو ايضا مصطلح علمي كان يصف نوعا محددا من العنف الفردي أو سلوكيات شباب الأحياء الشعبية... الا انه ومع التوظيف الإعلامي ومواقع التواصل أصبح تصنيفا ثقافيا ووسما اجتماعيا يختزل فئات بأكملها.
تحولات لا تقتصر على القاموس الشعبي، بل بل انها تمتد إلى الخطابات الفلسفية والسياسية وكذا الأكاديمية بحيث تستعمل ليس فقط كأدوات للتوصيف.... بل كسلاح رمزي في بناء المواقف والتأثير في الرأي العام.
المصطلح حين يتحول إلى مجاز نمطي يفقد مرونته الدلالية ويصبح أداة لتوجيه الفهم بل لتقييدها...
لقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً محوريا في هذا المسار...إذ منحت المصطلحات النمطية فضاء واسعا و خصباً للانتشار، ورسختها في الوعي الجمعي عبر التكرار والمزج بين الصورة والنص الى ان صارت هذه الألفاظ تحمل حياة مستقلة عن الواقع الذي ولدت فيه.
موازات لذلك نرى ان الوعي النقدي القادر على تفكيك المصطلح والعودة إلى معناه الأصلي قد تراجع بل واصبح عاجزا عن التمييز بين ما هو لغوي مجازي عابر وما هو توصيف موضوعي للحقيقة.
للاسف اصبحنا نجد أنفسنا في زمن تتغلب فيه سلطة المجاز على المعنى الحقيقي.. كما تتحول اللغة من أداة تواصل وفهم إلى أداة سلطة وهيمنة رمزية. ادا يجب علينا إعادة قراءة المصطلحات في ضوء أصولها ومعانيها الأولى.. او تدريب وعينا الجماعي على مقاومة إغراء المجاز خصوصا حين يتحول إلى قيد... بل يجب علينا ان نستعيد المسافة النقدية التي ربما ستتيح لنا رؤية الأشياء كما هي لا كما تصفها الكلمات الممنطَة...