عبد الرفيع حمضي: الدولة الصاعدة .. فخر مستحق وامتحان مستمر

عبد الرفيع حمضي: الدولة الصاعدة .. فخر مستحق وامتحان مستمر عبد الرفيع حمضي
حرص جلالة الملك في خطاب العرش على اعادة عبارة “المغرب البلد الصاعد ” أكثر من مرة، مُدرجاً هذا التعبير في سياق يجمع بين إشادة صريحة بما تحقق وتحذير واضح مما يجب تداركه. فالخطاب لم يقدم المصطلح كشعار سياسي، بل استعمله كأداة تشخيصية ربطت بين بعدين: بعد إيجابي يتمثل في التحولات الصناعية الكبرى التي يعرفها المغرب، وبعد تحذيري يتعلق بالتفاوتات المجالية التي تهدد هذا المسار.

الجانب الإيجابي تجسده الإنجازات الواضحة في قطاعي السيارات والطيران وغيرها ، إذ أصبح المغرب في السنوات الأخيرة أول منتج للسيارات في إفريقيا بطاقة إنتاج تفوق 700 ألف وحدة سنوياً، وبلغت صادرات السيارات نحو 14 مليار دولار خلال سنة 2023، كما حقق قطاع الطيران دخلاً قارَب 11 مليار درهم في خمسة أشهر فقط من سنة 2024. هذه المؤشرات تجعل المملكة جزءاً فاعلاً من سلاسل القيمة العالمية، وتمنحها قدرة متزايدة على استقطاب الاستثمارات ونقل التكنولوجيا، وهو ما يعزز فكرة ووضعية البلد الصاعد pays émergent .

لكن جلالة الملك وضع بجانب هذا النجاح مؤشراً آخر أقل إشراقاً وهو استمرار فجوة التنمية بين المدن الكبرى والمناطق الهامشية. فهذا النمو لا يكتمل ما دام المغرب يسير بسرعتين، وهو ما يعجل من واجب التفكير والتخطيط والإنجاز لصعود موحد لا يقتصر على الأقطاب الصناعية بل يشمل عمق كل الجهات.

وعند العودة إلى المؤشرات الدولية، خصوصاً المؤشر التركيبي لاقتصادات الدول الصاعدة ،L’indice synthétique d’émergence économique نجد أن المغرب تصدر القارة الإفريقية بدرجة 0.663 متقدماً على مصر وجنوب إفريقيا. هذا التصنيف يعتمد على مزيج من معايير النمو الصناعي، والانفتاح على الأسواق، وجودة البنية التحتية، والقدرة على تحقيق توازن مجالي. لذلك فإن اعادة جلالة الملك في خطابه السامي لعبارة “البلد الصاعد"ليس معزولاً عن هذه القراءة الدولية، بل هو توظيف واعٍ لتشجيع مسار يربط بين التصنيع والعدالة المجالية.

ومن المهم أن نشير إلى أن الدول الصاعدة أصبحت اليوم محور اهتمام العالم، وذلك بالنظر إلى التحديات الكبرى التي تعرفها الاقتصادات التقليدية المتقدمة وكذلك بعض الاقتصادات الكبرى في آسيا فالتباطؤ في النمو وتغير أنماط الإنتاج وتراجع فرص التوسع كلها عوامل جعلت الأنظار تتجه إلى هذه الدول التي توفر دينامية وفرصاً جديدة.

كما أن القارة الإفريقية أصبحت توصف بأنها قارة القرن الحادي والعشرين، لما تعرفه من دينامية داخلية متزايدة ولما تحظى به من اهتمام دولي. وضمن هذا السياق، يكتسي موقع المغرب، وهو يتقدم هذه المجموعة من الدول الصاعدة في إفريقيا، أهمية استراتيجية كبرى، لأنه يضعه في قلب التحولات الاقتصادية المقبلة على مستوى القارة.
مفهوم الدولة الصاعدة، في جذوره، يعود إلى الثمانينات مع تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عندما لاحظ الباحثون وجود دول انتقلت من حالة التخلف إلى مستوى وسيط دون أن تصل إلى مستوى الدول الصناعية الكبرى. وقد احسن الخبير الفرنسي كالفِسكي في الوصف "الاقتصاد الصاعد ليس فقيراً تحسنت أوضاعه قليلاً، بل هو فقير يملك ديناميكية تجعله محط أنظار العالم”.

غير أن هذا التصنيف الإيجابي ليس ضمانة أبدية. فكلما ارتفعت مكانة بلد في المؤشرات، ارتفع معه مستوى الرقابة الدولية وانتظارات المواطنين. المؤسسات المالية تتابع الإصلاحات، والمستثمرون يطالبون بمزيد من الشفافية والاستقرار، والمجتمع يتوقع تحسين جودة الخدمات وتوزيع ثمار النمو بعدل. إن الإقرار بأن المغرب دولة صاعدة هو دعوة إلى مضاعفة الجهد: في التربية والتكوين، في تقليص الفوارق بين الجهات، وفي ترسيخ حكامة اقتصادية تضمن استدامة ما تحقق. فالصعود ليس لحظة احتفال، بل امتحان يومي يقتضي أن تكون سرعة المغرب واحدة، وألا يبقى أي مواطن أو جهة على هامش المسار.