في دول تُقاس فيها قيمة الحكومات بما تُقدّمه لمواطنيها من تعليم وصحة وعدالة، يصبح ترتيب البلاد في مؤشر الصحة العالمية مرآة صادمة. أن يحتل المغرب الرتبة 94 من أصل 99، فذلك ليس مجرّد رقم عابر، بل صفعة سياسية تستدعي وقفة حقيقية، ومساءلة جادة.
حين تُهدر الميزانيات في مشاريع استعراضية، وتُضخّ الأموال في قطاعات ترفيهية أو غير منتجة، وتُترك المستشفيات منهكة بلا تجهيز، ويُهاجر الأطباء طلبًا للكرامة، فإن النتيجة الطبيعية هي انحدار كهذا. لكنّ الأخطر من الترتيب هو غياب أي شعور بالمسؤولية: لا وزير يعتذر، ولا حكومة تُحاسب، بل يمضي كل شيء وكأن شيئًا لم يحدث.
في دولة تحترم نفسها، هذا الترتيب كفيل ليس فقط بإقالة وزير الصحة، بل باستقالة الحكومة برمتها. أما في حالتنا، فقد يكون هذا الترتيب إنجازًا ضمنيًّا، ضمن سياسة تُفرّغ الدولة من دورها الاجتماعي، وتحوّل المواطن إلى زبون لدى القطاع الخاص.
إن طبيعة الآليات المعتمدة هي المعيار الحقيقي لقياس إرادة الإصلاح: حين تكون الأولويات واضحة، تنعكس في جودة الخدمات. أما حين يُداس حق المواطن في العلاج، ويُمنح الاهتمام لمظاهر استهلاكية أو دعائية، فكل شعارات التنمية تُصبح مجرّد حبر على ورق.
فهل ستظل صحة المغاربة آخر ما يُؤخذ في الحسبان؟ أما آن الأوان لمساءلة حقيقية، تُعيد الاعتبار لأولويات الدولة ومعايير كرامة الإنسان؟