أريري: الصويرة.. مدينة من مغرب القرن 18 تلقن مغرب القرن 21 درسا في صناعة المدن

أريري: الصويرة.. مدينة من مغرب القرن 18 تلقن مغرب القرن 21 درسا في صناعة المدن عبد الرحيم أريري
لو كانت لي سلطة القرار العمومي بالمغرب، لكان أول قرار أتخذه، على المقعد وفورا وبدون تردد، هو أن يتم حشر كل الولاة والعمال ورؤساء الجماعات بالمغرب ومفتشي التعمير الجهويين ومدراء الوكالات الحضرية، ورؤساء الهيأة الوطنية للمهندسين المعماريين وهيأة المساحين الطبوغرافيين ومكاتب صياغة تصاميم التهيئة ومكاتب الدراسات والخبرة والمراقبة، في حافلات. وأمرت بنقلهم إلى المدينة العتيقة بالصويرة ليتنقلوا بين حاراتها التاريخية ودروبها القديمة، ويذوبوا مع سكان المدينة القديمة في المساجد والساحات وفي القيساريات والمطاعم والمحلات التجارية، ليقدموا للمغاربة جوابا مقنعا عن السؤال الحارق التالي:
 
لماذا نجح صانع مدينة الصويرة عام 1765 في خلق مدينة متناسقة ومتكاملة ووظيفية؟ ثم، وهذا هو الأهم، لماذا توفق واضع تصميم الصويرة القديمة في خلق مدينة مؤنسنة، بينما فشل المغرب في القرن 21 في خلق مدن جديدة أو أقطاب حضرية آدمية؟
 
لماذا أفلح واضع تصميم المدينة القديمة بالصويرة قبل أزيد من 275 سنة في وضع أسس مدينة مستدامة، بينما فشل مهندسو وصناع مدن المغرب في القرن 21 في إنتاج أحياء ذات دينامية جذابة وذات مؤهلات التكيف مع المستجدات العصرية؟
 
شخصيا، عندما أزور مدينة الصويرة، لا تغريني شساعة مساحتها ولا أحياؤها العصرية، بل تستهويني وتسحرني مدينتها القديمة فقط.
 
فرغم أن مساحة مدينة الصويرة تعادل 1000 هكتار، فإن المكان المفضل عندي في الإقامة وفي التجول وفي اختيار المكان لتحديد المواعيد المهنية وفي تناول وجباتي، يبقى هو المدينة القديمة التي لا تتجاوز مساحتها 30 هكتارا، أي ما يمثل بالكاد 3% فقط من المساحة الإجمالية لمدينة الصويرة ككل!
 
فالمدينة القديمة بالصويرة (30 هكتار)، المبنية قبل ثلاثة قرون تقريبا، تساوي مساحتها مساحة المشروع السكني "المستقبل" بالدارالبيضاء الذي بني في القرن 21 (مساحته تبلغ تحديدا 35 هكتارا) !

كما تساوي مساحة المدينة القديمة بالصويرة مساحة معظم المجمعات السكنية الضخمة والرهيبة التي بنيت في سلا الجديدة وفي ضواحي الدار البيضاء بالرحمة وبوسكورة وزناتة والنواصر، وكذا في مراكش وتمارة وطنجة وبرشيد، إلخ... في نفس القرن. ومع ذلك، فالمدينة القديمة بالصويرة التي تعج بالسكان (17 ألف نسمة، أي 15% من سكان المدينة ككل، علما أن العدد يتضاعف في اليوم بسبب توافد سكان باقي الأحياء والسياح بحكم جاذبية المجال)، تتعايش فيها كل الديناميات يوميا في تناغم وانسجام بدون توتر أو نفور أو اصطدام، ووفق انسيابية مقبولة ودافئة. عكس ما تفرزه الأحياء والمدن الجديدة المبنية في مغرب القرن 21 من توتر حضري وتمزق نفسي وفوضى تعميرية وعشوائية وظيفية وافتقاد هذه المدن الجديدة والأقطاب الحضرية لكل طعم أو روح. 
 
أضف إلى ذلك، توفرت للمدينة القديمة بالصويرة مقومات التأقلم مع متطلبات القرن 19 و20 و21، لكون المدينة بنيت على أسس وركائز، رغم بعض المشاكل التي مازال مأمولا التدخل لتصحيحها (مثلا الحاجة لبناء مرائب باطنية بجوار مداخل أبواب الأسوار التاريخية لامتصاص الضغط، أو التدخل لتحسين المشهد الحضري لحماية النسيج العتيق من التآكل...)، في حين لا تتوفر معظم المجالات الحضرية الحديثة التي ولدت في مغرب الاستقلال على هاته الميزة، بل لم تتأقلم حتى مع العصر الذي ولدت فيه (القرن 21)، فأحرى أن نحلم بإمكانية تأقلمها مع انتظارات ورهانات ومتطلبات القرن القادم.
 
إذا كانت المدينة القديمة بالصويرة قد انتزعت عام 2001 عن جدارة واستحقاق لقب "تراث إنساني" وفق تصنيف اليونيسكو بشكل جعل الصويرة اليوم ملكا للبشرية وليس للمغاربة فقط، فلي اليقين أن البشاعة الحضرية التي تسمى زورا "مدنا جديدة وأقطابا حضرية" في مغرب  القرن 21 ستجعلها تصنف في خانة "الإساءة للإنسانية وللبشرية جمعاء" !