في خطابه بمناسبة عيد العرش، أشار جلالة الملك محمد السادس إلى واقع “مغرب السرعات المتعددة”، في تعبير صريح عن التفاوتات التنموية الصارخة بين مختلف مناطق المملكة. ويكفي أن يزور المرء مدنًا كبرى مثل الرباط أو الدار البيضاء أو طنجة ليُبهر بما تحقق من تطور عمراني وخدماتي، حيث تشهد هذه الحواضر قفزات نوعية يومية تجعل منها واجهات حديثة تعكس صورة مغرب التقدم والطموح.
لكن، وبالموازاة، لا يحتاج المرء إلى السفر بعيدًا ليكتشف وجهاً آخر لهذا الوطن. فعلى بُعد عشرات الكيلومترات فقط من العاصمة، تعيش مناطق قروية مثل عين عودة، المعازيز، جمعة حدران، وايت يكو وضعاً مقلقاً يتسم بانعدام أبسط مقومات العيش الكريم. لا ماء، لا كهرباء، لا طرقات، ولا مرافق اجتماعية أساسية. في بعض هذه المناطق، يبدو وكأن الزمن قد توقف عند أربعينات القرن الماضي؛ إذ يعيش السكان على إيقاع بطء قاسٍ يفرض عليهم انتظار ساعات طويلة من أجل التنقل أو الحصول على كميات محدودة من الماء الصالح للشرب ولماشيتهم.
رغم خضوع هذه المناطق لنفس النفوذ الإداري لولاية الرباط، إلا أن الواقع الميداني يعكس غياب زيارات دورية وتفاعل حقيقي من المسؤولين الجهويين، وفي مقدمتهم السيد والي الجهة. فلا مؤشرات تدل على تخصيص وقت منتظم لتتبع أوضاع هذه المناطق المهمشة أو الاستماع لمطالب ساكنتها وشبابها.
أمام هذا الوضع، لا غرابة أن تشهد هذه المناطق موجات هجرة مكثفة ، خصوصاً في صفوف الشباب، نحو الرباط وسلا وتمارة. هؤلاء الشباب، الباحثون عن فرص عيش أفضل، يشكلون اليوم جزءاً كبيراً من فئة البائعين المتجولين الذين يعكسون في عمقهم قصة مغرب غير متوازن في توزيع فرص التنمية.
إن مسؤولية معالجة هذه الاختلالات تقع على عاتق عدة قطاعات حكومية، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، ووزارة الفلاحة، ووزارة التجهيز والماء. فالواجب اليوم يتمثل في بلورة برنامج وطني عاجل وفعّال يضمن لهذه المناطق الحد الأدنى من الكرامة الاجتماعية والاقتصادية.
نحن مقبلون على تنظيم كأس العالم 2030، وهو حدث دولي كبير يتطلب صورة متكاملة عن بلد يجمع بين الحداثة والعدالة المجالية. غير أن استمرار هذا التفاوت الصارخ بين المناطق يظل نقطة ضعف استراتيجية ينبغي التعامل معها بكثير من الجدية والسرعة، حتى يكون “مغرب السرعات المتعددة” عنواناً لتكامل وتوازن، لا لتباين وفرص غير متكافئة.