طالع السعود الأطلسي: في المغرب.. "الملك الفلسطيني".. بدفيء القلب وتبصر العقل

طالع السعود الأطلسي: في المغرب.. "الملك الفلسطيني"..  بدفيء القلب وتبصر العقل طالع السعود الأطلسي

الأيام القليلة الماضية، كان فيها لفلسطين حضور قوي ونوعي في المغرب. عبر مسار أن القضية الفلسطينية، في المغرب، هي قضية وطنية في نفس مَوقع قضية الصحراء المغربية. وهو أسبوع استمرارٍ لكل السنة، وكل السنوات من "الحياة الفلسطينية" للمغرب.

 

شهدت الرباط، وأمامَ مقر البرلمان المغربي، مسيرة شعبية بمشاركة عشرات الآلاف من المغاربة، تضامُنا مع فلسطين، وإدانةً للعدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة، وصرخة ضد الإبادة، بالنيران وبالتجويع، التي تقترفها إسرائيل ضد فلسطينيي غزة من رجالٍ، نساءٍ، شيوخٍ وأطفالٍ وهي بحق مسيرة مغربية، وطنية، بكل دلالات سيرها، المنظم والهادئ، في قلب مدينة الرباط وأمام مقر مجلسيْ برلمان المغرب.

 

في الأيام نفسها، رئيسا كلا المجلسيْن، استقبلا وفدًا فلسطينيا سياسيا، مبعوثا لمنظمة التحرير الفلسطينية... في الاجتماعين، سمع الوفد الفلسطيني تعابير قوية صادرة من فلسطينية الشعب المغربي... وقد كانت للسيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب لفتة، عميقة الدلالة، بأن أشرك في استقبال الوفد الفلسطيني رؤساء الفرق النيابية المغربية، الممثلة للنسيج السياسي المغربي... ليسمع ضيوف المغرب المعنى العميق لاعتبار المغاربة بأن القضية الفلسطينية قضية وطنية...

 

الوفد الفلسطيني الذي رأسه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير السيد أحمد التميمي، كانت له لقاءات مع شخصيات رفيعة المُستوى في الدولة المغربية، سمع منها أن الدولة المغربية، كما كانت، جاهزةً بتحويل تعابير التضامن مع الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل حقوقه الوطنية، تحويلها، في واقع علاقات الأخُوَّة المغربية الفلسطينية، إلى فَعاليات ملموسة، وبما تُقَدِّرُه وتراه الدولة الفلسطينية...

 

وزير الخارجية المغربية، السيد ناصر بوريطة، أبْلَغ الوفد أن تعليمات الملك محمد السادس هي التفاعل الفوري مع ما ترى السلطة الفلسطينية أن للمغرب ممكنات فيه وتحتاجُها... وهي التعليمات التي لمَس الوفد الامتثال لها لدى المسؤولين الآخرين الذين التقاهم... الوزير سمع من مسؤولي دائرتي حقوق الانسان والعلاقات الدولية في منظمة التحرير، التقدير العالي الذي تُكنُّه السلطة الفلسطينية لجلالة ملك المغرب على مَجهوداته المثمرة، في التجاوب مع ملتمساتٍ وجَّهتها له السلطة للتدخل لدى إسرائيل، في شأن رفع الضغط الإسرائيلي عليها... بالإفراج عن أموال "المقاصَّة"، التي تعْتَقلُها إسرائيل، لتسليمها للسلطة الفلسطينية، وهي حق لها تستخلص من عائدات سلع الحركة التجارية داخل الضفة ومنها وإليها.

 

الوفد الفلسطيني ثمَّن أيضا التدخل الملكي الفاعل في فتح معابر حركة البَشر والسِّلع، بين الأراضي الفلسطينية والعالَم، وهي شريان حيوي تتحكم فيه إسرائيل، وأهمُّها مَعبر الكرامة (الليمبي إسرائيليا).

 

ولم يفُت الوفد أن يُبلِّغ شكر القيادة الفلسطينية لجلالة الملك محمد السادس على مجهوداته لدى إسرائيل لوقف حملات هدمٍ لبيوتٍ مَقدِسية، كان قد تسلَّم لائحتها ضمن مُناشدة فلسطينية له.

 

أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهي مَن تجاوَبَت بحماس، مع مُلتمس دائرة حقوق الإنسان في المنظمة الفلسطينية، باستضافة تدريبٍ في آليات العمَل الحقوقي لفائدة أطر فلسطينية من المجال... فكانت أياما مكثفة، من برامج عروض لأساتذة مغاربة، مختصون في الروافع الفكرية والقانونية والحقوقية لثقافة حقوق الانسان... عروض تعكس عمق واتِّساع الخبرة المغربية في التأطير المفاهيمي وفي البناء القانوني وفي المُمارسة العمَلَية لحيْثيات حقوق الإنسان وقضاياها وإشكالياتها...

 

استفاد من التدريب 13 إطارًا، من نساء ورجال الشأن الحقوقي، من عدة مُحافظات الضِّفَّة الغربية... وسيستمر التدريب، على مَدى السنوات القادمة، بأفواج أخرى، بموجب اتِّفاق تم توقيعُه، في نهاية الدورة بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان ودائرة حقوق الإنسان في المنظمة الفلسطينية... ما يعني نجاح هذه الدورة، وإبقاؤها مفتوحةً، على نفس قاعدة ثقة المنظمة في الخبرة المغربية، والتي باتت اليومَ مشهودٌ بها عالميا، بدليل رئاسة السفير عمر زنيبر للمجلس العالمي لحقوق الإنسان، السنة الماضية، ورئاسة أمينة بوعياش، حاليا، للتحالف العالمي لهيئات حقوق الإنسان... والأهمُّ أنها مفتوحة في حضن الوطنية الفلسطينية المغربية، الصادقة والمنتجة والدائمة، كما عبّرت عن ذلك الرئيسة بوعياش في كلمة اختتامية للدورة، مَزجت فيها بين أقوى عبارات الإدانة للعدوانية الإسرائيلية، وبين أحر مشاعر التضامن مع الشعب الفلسطيني، وبين الجاهزية المغربية لإسناد صموده البطولي في كفاحه من أجل حقوقه الوطنية، ومعها، حقوقه الإنسانية الدنيا...

 

مع اختتام "الأسبوع الفلسطيني" في المغرب، كان بيت مال القدس يوزع عشرات المئات من سِلال المواد الغذائية والطبية، في القدس وحواليها، في ظروف أمنية مضطربة، جراء تصعيد الحصار الإسرائيلي، والمداهمات للبيوت في الضفة الغربية عامة، وضمنها القدس، ما يعني أن الذراع العملياتي للجنة القدس، التي يرأسها الملك محمد السادس، لا يتوَقف عن العمل والتدخل الإنساني في القدس، على مدار السنة وفي كل الظروف... وفي ذلك علامة بارزة على الإخلاص المغربي في نُصرته للقضية الفلسطينية، عمَليا، وليس بمجرد الشعارات التي تتبَخر في الهواء ولا تغادر المنصة التي أُطلِقت منها... كما يفعل من يُجاور المغرب بمزايداته ... ولا يقوى على مُجاراته في صِدق فلسطينيته وإفادتها العملية للشعب الفلسطيني...

 

تعليمات الملك محمد السادس بالرفع من مستوى التفاعل مع الوفد الفلسطيني، كانت واضحة في نوعية المسؤولين الذين استقبلوه، وفيما فُتِح له من آفاق للتعاون مع السلطة الفلسطينية في سعيها لتطوير ممكنات مؤسساتها وأطرها في النهوض بحقوق الإنسان... وذلك من طبع ملكٍ حقن مغربيته بمنسوبٍ عال من الفلسطينية ... وجعل لها مَوْقعا، عقلانيا وعاطفيا، هامًّا في مشروعه الإصلاحي والتحديثي الذي بلوره للمغرب منذ استلم حكم البلاد سنة 1999.

 

المغاربة اليوم يُحيون عيد العرش، عيد الجلوس كما يُقال في المَشرق، وهي مناسبة سياسية وطنية لنقاش عمومي لتثمين منجزات حكم، بقيادة مَلك أراده حُكما نافعا للمغرب، بمصالحات متنوعة ومتكاملة، وبإرساءٍ لأساسات نهضوية في الأبنية السياسية، الاجتماعية والاقتصادية، وبشحذ التطلعات وصَوْن لياقتها مِفتاحا للمستقبل... وأيضا، يُثمن المغاربة التوَجه الملكي، ونضاله الديبلوماسي الذي أكسب قضية الصحراء المغربية هذا الزّخم من التأييد الدولي، الوازن والعارم، لمشروعية الحق المغربي وللمقترح السِّلمي بحل "الحكم الذاتي"...

 

في السياق الوطني نفسه، يرى المغاربة ويشهد العالم، بأن الوطنية المغربية، ليست انْعزالية ولا شوفينية. نفًسُها إنساني، نبْضها إفريقي، حساسيتها عربية وهواها فلسطيني... ومن ذلك أن المغاربة في "بْيانو" الشأن الفلسطيني، يعزفون بالأصابع العشرة... إيقاعات متنوعة ولكن متكاملة ومتناغمة... وعاصمُها الوطنية المغربية، وكفالتها الديمقراطية المَغربية... وهو ما يجسده الملك محمد السادس، الفاعل بالقيادة التاريخية للمغرب، وهو يضع القضية الفلسطينية في موقع التفاعل الإنساني معها ويقاربها بواقعية سياسية، تتمسك بجوهرها وتغذيتها بالمُنتِج من الفعل، والمستمر منه... وليس مَدحًا في حقه أن يُقال عنه، في واحدة من ممكنات تسميته "الملك الفلسطيني"... لأنه يضع فلسطين في المساحة الواصلة بين عقله وقلبه... إذ أن الشعب الفلسطيني وهو يُكابد أفظع الآلام.... هو في الآن نفسه يمتلك أكبر احتياطي عالمي إنساني من الآمال...