فلسطين.. بين دعم المغرب ومتاجرة الجزائر بالقضية

فلسطين.. بين دعم المغرب ومتاجرة الجزائر بالقضية الملك محمد السادس يترأس لجنة القدس ( صورة من الأرشيف)

أثبت المغرب مرة أخرى بالفعل وليس بالشعارات أنه لا يتوانى في القيام بواجبه الإنساني والتضامني تجاه القضية الفلسطينية، دون منّ ولا أذى، بعيدا عن الجعجعة الإعلامية للأنظمة المتاجرة بمحنة الشعب الفلسطيني. فقد نجحت وكالة بيت مال القدس الشريف، تحت إشراف مباشر من العاهل المغربي، في إيصال وتوزيع مساعدات غذائية مباشرة على أسر فلسطينية داخل قطاع غزة يوم الأربعاء 11 يونيو 2025، وهي ليست المرة الأولى ولا الأخيرة.

في كلّ المحطات التي مرت منها الفضية الفلسطينية أكّد المغرب بالأفعال وليس الأقوال التزامه الأخلاقي والسياسي والإنساني تجاه القضية الفلسطينية عموماً وتجاه التراجيديا التي يعيشها أهلنا في غزة خصوصاً. ما يقوم به المغرب هو تعبير عن نضج المقاربة المغربية للقضية الفلسطينية وصدق نواياه التي لم تتخلف يوماً عن دعم نضالات الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة، وحسب الشروط الموضوعية لكلّ مرحلة، وما تسمح به إمكاناتنا في ظلّ المنظومة الدولية.

فالمغرب شارك في حرب 1967 وحرب رمضان 1973 بجيشه، حين كان ذلك هو الخيار الفلسطيني، وقدم الدماء شلاّلاً على جبهات سيناء والجولان. والمغرب احتضن مؤتمر القمة العربية في الرباط للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني سنة 1974، والمغرب فتح أبواب الدول الأوربية والغربية عموماً أمام الزعيم الراحل ياسر عرفات حين رفع غصن الزيتون بعد مؤتمر مدريد سنة 1991. والمغرب ساهم في بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية وبنياتها التحتية من مطار وجامعة ومستشفى وغيرها. والمغرب حاضر بمستشفياته الميدانية في غزة منذ الحرب العدوانية الأولى إلى اليوم. والمغرب حاضر بالمساعدات الإنسانية في غزة في ظل الحصار المطبق. والمغرب حاضر في الميدان بوكالة بيت مال القدس، وهي الوكالة العربية والإسلامية الوحيدة الحاضرة بشكل دائم ومستمر لدعم صمود المقدسيين وعموم الشعب الفلسطيني فوق أرضه.

في المقابل نجد عنتريات نظام الحقد والكراهية في حدودنا الشرقية الذي لا يحسن غير الهمز واللمز والشعارات التي تتاجر بالقضية الفلسطينية المقدسة من أجل أجندات مشبوهة تهدف إلى هدم وحدة وسلامة أراضي المغرب، والأدلة أكبر من ان تحصى أو تعدّ، وسنكتفي بسرد بعض منها لإبطال سحر البروبكاندا التي تهدف إلى تشويه سمعة بلدنا في العالم.

فالنظام الجزائري لا يعدو كونه يُتاجر بآلام ودموع ودماء الفلسطينيين ليمارس لعبته المفضلة في التضليل وعلى نطاق عالمي، بينما في الأفعال والممارسة الجزائر تخطب ود واشنطن، وتعترف بحل الدولتين ويصرح رؤساؤها ووزراء خارجيتها أنه لا مشكلة لديهم مع "إسرائيل". وبالمقارنة والأمثلة تتضح الأمور أكثر، فالجزائر لم تجرؤ على مقاطعة واشنطن أو سحب سفيرها عندما شاركت قوات النخبة الأمريكية المعروفة بقوات "دلتا" في القتال المباشر داخل غزة بعد السابع من أكتوبر، في المقابل رأينا كيف سحبت الجزائر سفراءها من فرنسا سنة 2024 ومن إسبانيا سنة 2022 بسبب مواقفهما الداعمة لمغربية الصحراء.. وهنا يسقط القناع عن النظام الجزائري وتنكشف سوأته.

وعندما تورطت الولايات المتحدة في حرب غزة لم تصدر الجزائر بياناً يدين واشنطن، كما فعلت مع إسبانيا وفرنسا حين دعمت السيادة المغربية، بل إنّ الجزائر فعلت العكس تماما، فقد استقبل الرئيس الجزائري تبون نهاية شهر يونيو 2025 وفداً يمثل اثنتين من كبريات شركات النفط والغاز الأمريكية وهما “شيفرون” و”إكسون موبيل”، وكأنه يكافئهما على وقوفهما إلى جانب "إسرائيل" في الحرب على غزة!

نعم، لقد فتح السيد عبد المجيد تبون أمام هاتين الشركتين المجال لاستغلال حقول النفط والغاز في الصحراء الكبرى وفي السواحل الجزائرية، رغم أنّ الشركتين متورطتان حسب تقرير نشرته منظمة Oil Change International، في تزويد الجيش الإسرائيلي بالوقود الذي يستعمله في طائراته الحربية وآلياته العسكرية التي تقتل أطفال غزة يومياً وتهدم المستشفيات والبيوت فوق رؤوس أصحابها.

أمام هذه المعطيات، يحق لنا أن نتساءل ماذا قدمت الجزائر بالملموس لأهلنا في غزة غير الشعارات؟ وإذا افترضنا جدلاً أنه ليست لدى الجزائر إمكانية دعم حركة "حماس" خلال العدوان الذي لازال مستمراً إلى اليوم منذ 22 شهراً، خوفاً من اتهامها بدعم الإرهاب، أو بسبب صعوبة التحويلات المالية إلى غزة والأراضي المحتلة عموماً، وغير ذلك من المبررات التي لا يصدقها أحد، فما الذي يمنع الجزائر من إرسال المال والسلاح لدعم حركات المقاومة الفلسطينية اليسارية مثل كتائب أبو علي مصطفى التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي ماركسية لينينية؟   

وما الذي يمنع الجزائر، كما فعل الحوثيون في اليمن مثلاً، من قصف جيش الاحتلال في فلسطين ببعض الصواريخ، على الأقل رفعاً للعتب؟ ومن يمنعها من إرسال غواصاتها إلى سواحل غزة للدعم والمساندة ونصرة أهلنا هناك؟ أو حتى إرسال مجرد سفينة مدنية محملة بالمساعدات الإنسانية إلى سواحل غزة كما فعلت إيطاليا أو تركيا؟ أم أنّ السفن والغواصات التي تملكها الجزائر وصواريخ S-400 التي بحوزتها مُوجّهة حصرياً لضرب المغرب، عدوها الاستراتيجي؟

وإذا تركنا دعم غزة بالسفن ودعم المقاومة بالسلاح والمال جانباً، فلماذا لا تجرؤ الجزائر على مجرد فتح مكتب رسمي لحركة المقاومة "حماس" في الجزائر كما فعلت قطر مثلاً؟ ولماذا لم تجرأ الجزائر على وصف العدوان الإسرائيلي على غزة بجرائم الإبادة خلال مداخلات مندوبها الدائم في مجلس الأمن؟ ونحن نعلم أنها أصبحت عضواً غير دائم لمدة سنتين انطلاقا من يناير 2024.

ولماذا لم نشاهد مندوب الجزائر في الأمم المتحدة ينسحب من جلسات مجلس الأمن احتجاجاً على رفض مشروع قرار تقدمت به عدة دول لوقف الحرب على غزة، كما انسحب المندوب الجزائري عندما تعلق الأمر بقرار حول الصحراء المغربية في أكتوبر 2024؟ ولماذا لم ترفع الجزائر دعاوى قضائية ضدّ الكيان العبري كما تفعل ضد المغرب في قضية الصحراء أمام 

محاكم الدول الأوربية؟ ولماذا لم ترفع الجزائر دعوى قضائية ضد "إسرائيل" أمام الجنائية الدولية كما فعلت جنوب إفريقيا؟

لا شيء يفسر كلّ هذه التناقضات الجزائرية غير عقيدة العداء للمغرب، وكلّ ما يصب في إضعاف المغرب فالدولة الجزائرية تتبناه وتسارع إليه سواء بإعطاء الامتيازات النفطية والغازية لأمريكا وأروبا، أو بالتحالف العسكري مع روسيا، أو بمنح الصفقات التجارية للصين، وصولاً إلى شراء الذمم في الدول الضعيفة، ثم  بتوزيع حقائب البترودولار لتجنيد لوبي أمريكي للضغط على الإدارة الأمريكية كما هو الشأن مع منظمة "كيري كندي" ..

كل الضربات تحت الحزام مباحة وكل الأسلحة القذرة مقبولة لدى الجزائر بشرط واحد إلحاق الضرر بالمغرب ومصالح المغرب ووحدته الترابية وسلامة أراضيه، وعرقلة نهضته وإقلاعه الاقتصادي. وكل الوسائل التي تحقق هذا الهدف الخبيث فهي "حلال" ومباحة في شريعة النظام الجزائري الذي يتبنى عقيدة العداء المطلق ضد المغرب. أما فلسطين ومأساتها فهي مجرد أصل تجاري تزايد به، ومجرد حطب في النار التي يُسعّرها جنرالات الجزائر ضد المغرب، وحتماً ستنتهي بإحراقهم.

لقاء عبد العزيز بوتفليقة مع إيهود باراك