عبد الرفيع حمضي: حين يُغرّد بلارج.. ويُهذي السياسي

عبد الرفيع حمضي: حين يُغرّد بلارج..  ويُهذي السياسي عبد الرفيع حمضي
في خرجة جديدة لا تخلو من شعبوية ثقيلة الظل، صرّح “الزعيم” بأن على الفتيات أن يُسارعن إلى الزواج كلما سنحت الفرصة، دون أن يُعطين الأولوية لا للدراسة ولا للعمل، لأن “الزواج أهم”، على حد تعبيره. أما من فاتها القطار، فمصيرها أن تتحوّل إلى “بلارج”!
دعونا أولًا ننصف الطائر، قبل أن نناقش من شُبّه به .
“بلارج” ليس كما صوّره المتحدث؛ فهو ليس طائرًا بائسًا يجوب السطوح يائسًا من الحظ، بل هو رمز عالمي للخصوبة والحياة الجديدة. طائر قوي، مخلص، يقاوم المسافات والتغيرات المناخية، ويعود كل عام إلى عشه الأصلي.
فهل من الإنصاف أن يُختزل رمز كهذا في صورة سلبية، فقط لخدمة استعارة فاشلة؟
أما ثانيًا، فجوهر التصريح يندرج ضمن سلسلة طويلة من المواقف التي تُعيد النساء إلى عصور الطاعة العمياء، وتُلغي حقهن في الحلم والطموح والاختيار. تصريح يصدر في زمن تتصدر فيه الفتيات مقاعد الجامعة بنسبة تفوق 60%، وتكافح فيه النساء في الفلاحة، والإدارة، والهندسة، وحتى السياسة… في مقابل مسؤولين يحنّون إلى زمن النمط الواحد والدور الوحيد.
لكن المفارقة أن “الزعيم” الذي عاد إلى القيادة لإنقاذ هيئته، ها هو اليوم يبدو وكأنه في مهمة لتصفية البقية الرمزية، بعد أن تصرفت صناديق الاقتراع في البقية العددية.
فهل عاد الرجل لإحياء تنظيم كان يتهاوى مع  الحياة السياسية والمجتمعية لازالت في حاجة اليه؟
أم عاد ليُطلق عليه رصاصة الرحمة الأخيرة، بلسانه لا بسلاحه؟
كل تصريح من هذا النوع، وكل نبرة تستخف بقضايا مصيرية، ترجّح الفرضية الثانية.
صحيح أن هذا الهذيان، خصوصًا حين يتعلق بالمرأة، ليس جديدًا في توجهات المتحدث، لكنه جديد في ركاكته ورمزيته. وهو، في الجوهر، لا يختلف كثيرًا عما نسمعه اليوم من اليمين المتطرف في العالم، حين يحنّ إلى “زمن المرأة المطيعة” و”المطبخ الدافئ” و”الدور الطبيعي”. فالشعبوية، وإن اختلفت جغرافيًا، تظل متشابهة في عدائها للمرأة المستقلة.
لكن، في المقابل، لا يمكن تحميل الحزب كل تبعات هذا التصريح. فالرأي العام المغربي لا يزال يقدّر عددًا من رموزه ومناضليه، خاصة أولئك الذين حافظوا على رصانة خطابهم وارتباطهم الحقيقي بهموم الناس.
غير أنه آن الأوان  ليتحمّل هؤلاء مسؤوليتهم السياسية والمجتمعية :فإمّا التخلّص من عبء هذا الخطاب الارتجالي المتخلف، أو الاستمرار في الانحدار حتى لا يبقى من الحزب إلا ذكريات "لِبلارج” ضلّ طريقه.
وبيني وبينكم… بلارج  أذكى من أن يقع في مثل هذا الفخ.