القاضي الطاهر البعاج.. عالم مكناس الذي أُسيء توثيق مكان دفنه من قبل "يوتيبرز" خليجي

القاضي الطاهر البعاج.. عالم مكناس الذي أُسيء توثيق مكان دفنه من قبل "يوتيبرز" خليجي الراحل الطاهر البعاج ومدخل داره التي زُعم أنه مدفون فيها
14 ثانية استغرقها مقطع فيديو لرحالة خليجي، يدعى سلطان المرواني، يتحدث فيها عن الراحل الفقيه القاضي الطاهر بعاج، وهو يقف أمام منزله بمكناس، لكن المغالطة التي جاءت على لسان هذا الرحالة، صوتا وصورة امتدّت زمنية لأسابيع، فبعظمة لسانه، يقول هذا الشخص، معنونا الفيديو ب "عادات في مدينة مكناس" بأنه إذا مات العالم أو الفقيه يدفن في داره، مثل هذه الدار المدفون فيها الحاج الطاهر البعاج المتوفي سنة 2000، على حد قوله..

جريدة "أنفاس بريس"، ومن خلال تحقيقها، تبين بأن الأمر كذبة في كذبة، الغرض منها جلب المشاهدات، حيث تم تقاسم هذا المقطع على جميع منصات التواصل الاجتماعي لهذا الشخص..

فالحقيقة أن الراحل الفقيه القاضي الطاهر بعاج، مدفون كغيره من المسلمين بمقبرة تضم ضريح سيد الشريف الوافي بجوار فندق "عبر المحيط" بحي حمرية بمكناس..

ونفى عبد العالي بوزيان، نائب رئيس اللجنة المغربية للمجلس العالمي للمباني والمواقع "إيكوموس"، في اتصال هاتفي مع جريدة "أنفاس بريس"، ما تضمنه مقطع الفيديو المتداول منذ أسابيع على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن منزل الفقيه القاضي الطاهر بعاج، مخصص للسكن العائلي، وبأن اللوحة المعلقة على باب المنزل التي تبين هوية صاحب الدار، وتاريخ وفاته سنة وتاريخ بنائها سنة 2000، وتاريخ بناء المنزل سنة 1950، هي للتوثيق فقط، ولا تدل على أن صاحب الدار مدفون بها.

وأضاف الخبير في التراث والآثار، أن منازل على قلتها خصصت لدفن أصحابها، وتحولت فيما بعد لأضرحة لزيارتها من قبل مريدي بعض الأولياء الصالحين، وكان ذلك في الزمن الغابر، وليس حديثا، مادام أن الدفن في عصر الدولة الحالية، أصبح مؤطرا بقوانين وتشريعات لايمكن مخالفتها.

واسترجع عبد العالي بوزيان بهذه المناسبة تاريخ الراحل الفقيه القاضي الطاهر بعاج المرشيشي المكناسي، الذي يشهد له القضاء والفقه في العصر الحالي بأنه كان مرجعا له، وسبق له أن ألقى أربعة دروس من سلسلة الدروس الحسنية أمام الملك الراحل الحسن الثاني، وتذكر عائلة الراحل أنه لما انتهى من إلقاء إحدى الدروس، قال له الملك الراحل: "لقد عدت بنا إلى الزمن الجميل لدروس جامعة القرويين".

ويعد الطاهر البعاج من أعلام مدينة مكناس، ولد سنة 1923، فهو إلى جانب القضاء، خطيب مفوه، وبمكناس تلقى تعليمه الأولي، ونظرا لذكائه ونباهته اتجه صوب مدينة فاس ليلتحق بجامعة القرويين، حيث قضى فيها بضع سنين يدرس العلوم الشرعية وأصول الفقه والحديث والتفسير وعلم التوقيت.. إلى أن حصل على شهادة العالِمية سنة 1944.. وهي أعلى شهادة في القرويين وتعادل شهادة الدكتوراه. وقد جايل الراحل دراسيا ثلة من الشخصيات المغربية التي ستتقلد مناصب سامية منها: المستشار الملكي عبد الهادي بوطالب، محمد الفاسي أول وزير للتعليم في المغرب، وكان السلطان محمد بن يوسف رحمه الله يحضر حفل تسليم الشواهد على المتفوقين.

رجع العالم الشاب الطاهر البعاج إلى مسقط رأسه بمدينة مكناس ليشتغل بالتدريس؛ وبعد ذلك عين قاضيا شرعيا بالمحكمة الابتدائية وكلف بقضايا الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة والمحاجير، وطيلة المدة التي اشتغل بالقضاء تميز باستقامته ونزاهته وصرامته في تطبيق الشريعة في القضايا المعروضة عليه، وقد ترقى الراحل في سلك القضاء وعين مستشارا أول في المجلس الأعلى بالرباط.. وبالموازاة مع مهمته العدلية، اعتلى منبر الخطابة في الجامع الأعظم بالمدينة العتيقة، وكان هذا المسجد العامر، يعج يوم الجمعة بالمصلين القادمين من مختلف أحياء المدينة للاستماع إلى خطب الفقيه البعاج.

هذه الخطب المنبرية لازالت موجودة في مكتبة الراحل القاضي البعاج بمنزله بحومة سيدي سلامة بمكناس؛ على أمل أن تجمع وتطبع في كتاب يخلد اسم الطاهر البعاج..

لقد كانت للعالم الطاهر البعاج مكانة هامة في قلوب الناس وذلك بسبب تواضعه ودماثة أخلاقه وطيبوبته؛ لا يرد سائلا أو محروما..