كريم مولاي: زيتوت.. استقالة من "رشاد" أم انتقال نحو الجزائر التي يريد؟

كريم مولاي: زيتوت.. استقالة من "رشاد" أم انتقال نحو الجزائر التي يريد؟ كريم مولاي وفي الاطار العربي زيتوت
جاءت استقالة محمد العربي زيتوت من حركة رشاد لتفتح الباب أمام تأويلات متعددة، ليس فقط بشأن خلفيات القرار، بل أيضًا حول أفق المشروع السياسي الجديد الذي أعلن عنه منذ فترة، تحت عنوان لافت وواعد: "الجزائر الغد".
 
استقالة زيتوت، الذي عُرف بمواقفه الصريحة وتحليلاته الجريئة، تبدو وكأنها لحظة مراجعة كبرى في مسيرته، لكنها في عمقها تمثل تطورا استراتيجيا يعكس رغبة واضحة في تجاوز سقف العمل الحركي إلى فضاء وطني أوسع، يتسع لكل الجزائريين مهما اختلفت مشاربهم الفكرية والسياسية.
 
بعيدا عن الحسابات التنظيمية، جاءت استقالة زيتوت – كما ورد في توضيحه – لتُجنّب قيادة حركة رشاد تبعات مواقفه اليومية التي يعبّر عنها على قناته في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي باتت منصّة مؤثرة يتابعها الملايين، ويقدم من خلالها قراءة سياسية واستراتيجية ترتقي لمستوى المحاضرات الأكاديمية، ما جعله واحدا من أبرز العقول السياسية في المنفى، وأكثرها قدرة على استشراف تحولات المنطقة.
 
لكنّ البعد الأهم في هذه الاستقالة ليس شخصيا ولا تنظيميا، بل سياسي بامتياز. زيتوت اليوم لا ينهي مرحلة، بل يفتتح أخرى. مرحلة تحاول استعادة المسار الوطني الجامع، الذي يتجاوز الاستقطابات القديمة بين السلطة والمعارضة، بين الإسلاميين والعلمانيين، بين النخب التقليدية والناشطين الجدد. "الجزائر الغد" ليست مجرد مشروع جديد، بل هي رؤية يريد زيتوت من خلالها أن يصوغ علاقة جديدة بين الجزائريين، على قاعدة المواطنة الكاملة، والعدالة، والحريات، والكرامة التي من أجلها ناضلت أجيال، ودُفعت أثمان باهظة.
 
ما يدعو إلى التأمل هو أن هذه الاستقالة تأتي في سياق إقليمي متحول، وبعد تجربة عقدين من المنفى السياسي الذي صقل زيتوت كفاعل وطني يتجاوز الأطر الإيديولوجية، نحو خطاب جامع يتقاطع فيه السياسي مع الحقوقي، والتاريخي مع الاستراتيجي. إنه لا يهرب من المسؤولية، بل يتحرر من الإطار التنظيمي الضيق ليكون ملكًا لكل الجزائريين الذين يحلمون بجزائر الحرية والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة.
 
محمد العربي زيتوت لم يختر المنافي هروبا من المسؤولية، بل موقفا مبدئيا ضد نظام اختار الاستبداد وسفك الدماء. كان بإمكانه أن يكون في أعلى مراتب الدولة، لو اختار الانحناء لعاصفة الاستبداد، لكنه فضّل الاصطفاف إلى جانب الشعب، ولو كلّفه ذلك سنوات طويلة من النفي والتشويه والتضييق.
 
إن الجزائر التي يريدها محمد العربي زيتوت ليست وهما، بل مشروعا متدرجا يُبنى بالكلمة الصادقة، والفكرة الحرّة، والانحياز للمظلومين. استقالته من رشاد ليست تراجعا، بل قفزة سياسية نحو أفق أرحب: نحو "الجزائر الغد"... تلك التي لا يقصي فيها أحد أحدا، ولا يتحكم فيها عسكري في مدني، ولا يُخطف فيها الوطن باسم الأمن.
 
لقد دخل زيتوت فصلا جديدا من تاريخه النضالي، لا بصفته معارضا فقط، بل كمفكر سياسي، يملك من الزاد المعرفي، والتجربة، والاتصال العميق بالواقع الشعبي ما يؤهله ليلعب دورا محوريا في المرحلة المقبلة، خصوصا في ظل حالة الانسداد السياسي وانهيار الثقة بين الحاكم والمحكوم.
 
ويبقى السؤال معلقا: هل سيكون مشروع "الجزائر الغد" نقطة التقاء حقيقية لكل الجزائريين؟ وهل تنضج اللحظة السياسية لتستوعب مثل هذا الطموح الوطني الجامع؟ أم أننا ما زلنا أسرى حسابات التشكيك والتصنيف والإقصاء؟
مهما تكن الإجابة، المؤكد أن الجزائر ربحت بصوت مثل محمد العربي زيتوت عقلًا نزيهًا لا يساوم، وضميرًا سياسيًا لا ينكسر.
 
 
كريم مولاي، خبير أمني جزائري-لندن