محمد سالم عبد الفتاح: لابدّ من فتح نقاش مؤسّساتي داخل الأمم المتحدة بشأن جدوى استمرار إدراج الملف ضمن اللجنة الرابعة

محمد سالم عبد الفتاح: لابدّ من فتح نقاش مؤسّساتي داخل الأمم المتحدة بشأن جدوى استمرار إدراج الملف ضمن اللجنة الرابعة محمد سالم عبد الفتاح
في‭ ‬سياق‭ ‬النقاشات‭ ‬المتواصلة‭ ‬داخل‭ ‬اللجنة‭ ‬الرابعة‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬موقع‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬ضمن‭ ‬الآليات‭ ‬الأممية،‭ ‬بما‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬التي‭ ‬عرفها،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬هو‭ ‬الفضاء‭ ‬الحصري‭ ‬لبحثه‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬قرارات‭ ‬تؤطره‭ ‬كقضية‭ ‬نزاع‭ ‬سياسي‭ ‬إقليمي،‭ ‬وليس‭ ‬كمسألة‭ ‬تصفية‭ ‬استعمار‭.‬
ورغم‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬بادر‭ ‬بإدراج‭ ‬الملف‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬الرابعة‭ ‬منتصف‭ ‬الستينيات‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬سعيه‭ ‬إلى‭ ‬استكمال‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية،‭ ‬فقد‭ ‬تحولت‭ ‬هذه‭ ‬اللجنة‭ ‬منذ‭ ‬السبعينيات‭ ‬إلى‭ ‬منبر‭ ‬دعاية‭ ‬سياسية‭ ‬تستغله‭ ‬الجزائر‭ ‬للترويج‭ ‬لأطروحة‭ ‬الانفصال،‭ ‬عبر‭ ‬تأطير‭ ‬مجتزأ‭ ‬للملف‭ ‬يتجاهل‭ ‬السياق‭ ‬التاريخي‭ ‬والسيادي‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬بالمملكة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الطابع‭ ‬غير‭ ‬الإلزامي‭ ‬لقرارات‭ ‬هذه‭ ‬اللجنة‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬خصوم‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬استخدامها‭ ‬لتمرير‭ ‬مغالطات‭ ‬وتقديم‭ ‬شرعية‭ ‬موهومة‭ ‬لكيان‭ ‬انفصالي‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مقومات‭ ‬سيادية‭ ‬أو‭ ‬قانونية‭.‬
أمام‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬تطرح‭ ‬الضرورة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬حصر‭ ‬الملف‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬باعتباره‭ ‬الجهة‭ ‬المختصة‭ ‬بتدبير‭ ‬قضايا‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين،‭ ‬وصاحبة‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل،‭ ‬فمسار‭ ‬التسوية‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬المجلس‭ ‬منذ‭ ‬2007،‭ ‬والذي‭ ‬يضع‭ ‬مبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬الواقعي‭ ‬وذي‭ ‬المصداقية،‭ ‬يعكس‭ ‬تحولا‭ ‬نوعيا‭ ‬لا‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬بقاء‭ ‬الملف‭ ‬رهينة‭ ‬لمناورات‭ ‬اللجنة‭ ‬الرابعة‭ ‬ومن‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬فلكها‭.‬
وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬المغرب‭ ‬مطالب‭ ‬بتعزيز‭ ‬الحجة‭ ‬القانونية‭ ‬والسياسية‭ ‬المؤكدة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بنزاع‭ ‬إقليمي‭ ‬بين‭ ‬دولتين،‭ ‬هما‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر،‭ ‬وليس‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬و"حركة‭ ‬تحرير"‭ ‬كما‭ ‬يروج‭ ‬له‭. ‬
هذا‭ ‬التوصيف‭ ‬تدعمه‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬والتي‭ ‬تكرس‭ ‬الجزائر‭ ‬طرفا‭ ‬مباشرا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعوتها‭ ‬الصريحة‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬الموائد‭ ‬المستديرة،‭ ‬باعتبار‭ ‬دعمها‭ ‬السياسي‭ ‬واللوجستي‭ ‬والعسكري‭ ‬لكيان‭ ‬لا‭ ‬يتمتع‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬السيادة‭ ‬ولا‭ ‬بأي‭ ‬عنصر‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الكيانات‭ ‬الدولتية‭.‬
كما‭ ‬ينبغي‭ ‬إبراز‭ ‬الممارسة‭ ‬السيادية‭ ‬الفعلية‭ ‬التي‭ ‬يباشرها‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المنجز‭ ‬التنموي‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المنتخبة‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬إرادة‭ ‬الساكنة،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬غياب‭ ‬أدنى‭ ‬مظاهر‭ ‬السيادة‭ ‬أو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تغييب‭ ‬أصوات‭ ‬السكان‭ ‬ومصادرة‭ ‬حقوقهم،‭ ‬وسط‭ ‬انتهاكات‭ ‬ممنهجة‭ ‬ترتكبها‭ ‬الميليشيات‭ ‬الانفصالية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬الرقابة‭ ‬الدولية‭.‬
وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬توظيف‭ ‬التحولات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الجارية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬دول‭ ‬عديدة‭ ‬تراجع‭ ‬مواقفها‭ ‬التقليدية‭ ‬وتنخرط‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬المبادرة‭ ‬المغربية،‭ ‬هذه‭ ‬الدينامية‭ ‬الإقليمية‭ ‬ينبغي‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬تكتل‭ ‬دولي‭ ‬داخل‭ ‬أروقة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬يطالب‭ ‬بتجاوز‭ ‬الخطاب‭ ‬المتجاوز‭ ‬للجنة‭ ‬الرابعة،‭ ‬والتأسيس‭ ‬لمعالجة‭ ‬أكثر‭ ‬واقعية‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭.‬
كما‭ ‬يتعين‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الحقوقي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬المأساوي‭ ‬داخل‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬ورفض‭ ‬الجزائر‭ ‬السماح‭ ‬للمفوضية‭ ‬السامية‭ ‬للاجئين‭ ‬بإجراء‭ ‬إحصاء‭ ‬سكاني‭ ‬دقيق،‭ ‬وهو‭ ‬وضع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السكوت‭ ‬عنه،‭ ‬ويحمل‭ ‬الجزائر‭ ‬مسؤولية‭ ‬قانونية‭ ‬مباشرة‭ ‬باعتبارها‭ ‬الدولة‭ ‬المضيفة‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬وحياة‭ ‬السكان‭.‬
إن‭ ‬المغرب،‭ ‬وهو‭ ‬يراكم‭ ‬الاعترافات‭ ‬الدولية‭ ‬بسيادته‭ ‬على‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية،‭ ‬ويعزز‭ ‬موقعه‭ ‬كشريك‭ ‬استراتيجي‭ ‬لأجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬مدعو‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬عملاً‭ ‬بالتوجيهات‭ ‬السامية‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬الاستباقية‭ ‬والمبادرة‭.‬
‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬فإن‭ ‬فتح‭ ‬نقاش‭ ‬مؤسساتي‭ ‬داخل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬جدوى‭ ‬استمرار‭ ‬إدراج‭ ‬الملف‭ ‬ضمن‭ ‬اللجنة‭ ‬الرابعة،‭ ‬يمثل‭ ‬خطوة‭ ‬سيادية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬نحو‭ ‬تكريس‭ ‬واقع‭ ‬جديد،‭ ‬ينقل‭ ‬الملف‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬لا‭ ‬فضاء‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬المزايدات‭.‬
محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان