سعيد التمسماني: الجزائر وعقدة الصحراء.. لماذا تعجز عن مجاراة منطق التاريخ والواقع؟

سعيد التمسماني: الجزائر وعقدة الصحراء.. لماذا تعجز عن مجاراة منطق التاريخ والواقع؟ سعيد التمسماني
في الوقت الذي تتسارع فيه مواقف دولية وازنة نحو الاعتراف بمغربية الصحراء وتبني مقترح الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي للنزاع، تواصل الجزائر تمسكها بموقف جامد، يعاكس اتجاهات التحول الإقليمي والدولي. من الولايات المتحدة إلى إسبانيا، ومن ألمانيا إلى هولندا، ثم مؤخرًا عبر إشارات ضمنية أو صريحة من أعضاء دائمين في مجلس الأمن، تتكرس قناعة متزايدة بأن السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية أمر واقع، وأن مقترح الرباط للحكم الذاتي منذ 2007 ليس فقط مقبولًا، بل هو الصيغة الوحيدة القابلة للحياة.
 
فلماذا تُصر الجزائر على السباحة ضد التيار؟
الجواب لا يكمن فقط في الجغرافيا أو ما يُسمى بـ”دعم تقرير المصير”، بل في حسابات أعمق تتعلق بعقدة الزعامة، وهاجس الداخل، وطبيعة النظام السياسي المغلق، الذي جعل من قضية الصحراء أداة للتعبئة الداخلية أكثر منها قضية مبدئية أو قانونية.
 
إن الموقف الجزائري لا ينبع من حرص صادق على ما يسمى “حق الشعوب”، بل هو امتداد لعقيدة سياسية متجذرة منذ حرب الرمال، اختزلت علاقة الجزائر بالمغرب في منطق المنافسة والصراع، لا في منطق التكامل الإقليمي. وقد تكرّس هذا المنطق في ظل نظام لم يعرف تداولًا ديمقراطيًا حقيقيًا للسلطة، ولا فضاءً عموميًا حرًا يُراجع السياسات الخارجية على قاعدة المصلحة الوطنية العليا.
 
المفارقة الكبرى أن الجزائر، في تمسكها بالموقف الرافض، باتت في عزلة سياسية متنامية، فيما يُراكم المغرب نقاطًا دبلوماسية متقدمة، في القارة الإفريقية، وفي الشراكات الأورومتوسطية، وداخل المنظمات الدولية. فحتى من لم يعلن بعد دعمه العلني للمبادرة المغربية، بات يتعامل معها كخيار مرجعي ضمن المساعي الأممية، بل إن مجلس الأمن نفسه لم يعد يُدرج أي إشارة إلى “استفتاء تقرير المصير” منذ سنوات.
 
لكن المعضلة الحقيقية لا تكمن في اختلاف وجهات النظر، بل في أن الجزائر ترفض حتى الاعتراف بأنها طرف في النزاع، رغم أن الواقع والسلاح والتمويل والسياسة تقول غير ذلك. وهذا الإنكار هو ما يعطّل أي تقدم حقيقي في مسلسل التسوية. فمن دون اعتراف بالمسؤولية السياسية، لا يمكن بناء مسار تفاوضي جدي.
 
ومع ذلك، لا بد من طرح السؤال الاستراتيجي: إلى متى ستظل الجزائر حبيسة هذا الإنكار؟
العالم يتغير، والتوازنات تتبدل، والمصالح الاستراتيجية للدول الأوروبية، التي تواجه تحديات الهجرة والطاقة والإرهاب، لم تعد تحتمل استمرار نزاع مفتعل في جنوب المتوسط. والأهم من ذلك، أن التحديات الداخلية المتعاظمة في الجزائر — من تآكل شرعية النظام، إلى هشاشة الاقتصاد، مرورًا بالانسداد السياسي — ستجعل من تكلفة الاستمرار في الموقف العدمي أعلى بكثير من أي “تنازل” محتمل لحفظ ماء الوجه.
 
إن “الخروج الآمن” من المأزق لا يتطلب اعترافًا مباشرًا، بل يكفي أن تنخرط الجزائر بجدية ومسؤولية في دينامية الحل الواقعي، وتكفّ عن وضع العراقيل أمام المسلسل الأممي. المقاربة المغربية تعطي لهذه الإمكانية هامشًا واسعًا، دون إقصاء، ودون إذلال، بل بمنطق رابح-رابح، يُبقي على كرامة الجميع.
 
في النهاية، ستبقى الصحراء مغربية، لا لأن الخطاب الوطني يقول ذلك فقط، بل لأن منطق التاريخ، والجغرافيا، والمشروعية الدولية، بدأ يقول ذلك أيضًا. وما تبقى، هو أن تستوعب الجزائر أن المكابرة لم تكن يومًا سياسة فعالة، وأن الاعتراف بالواقع ليس هزيمة، بل فرصة لفتح صفحة جديدة في علاقات مغاربية هي في أمس الحاجة إلى المصالحة والتنمية.