في عالم السياسة، لا عداوات دائمة ولا صداقات ثابتة. وهذه قاعدة شهيرة، إلا أن جمهورية الملالي في إيران أضافت قاعدة جديدة: "كل شيء قابل للمراجعة…إلا الدم الذي سفك في كربلاء". فالإيرانيون ـ رسميا وشعبيا ـ يمكن أن يصفحوا عن إسرائيل وأمريكا وأن يتفاوضوا مع ترامب ويبتسموا للمستشار الألماني وأن يحيوا "الشيطان الأكبر" على موائد المفاوضات، ويمدوا اليد لنتنياهو إذا اقتضت الضرورة. لكنهم لا يمكن أبدا أن يغفروا ولا أن ينسوا "قتلة الحسين".
فلا اليسار العربي العلماني مهما تحالفوا وهتفوا لفلسطين، ولا الإخوان مهما رفعوا رايات الجهاد ولا الأحزاب القومية العربية مهما موهت بمؤتمرات "نصرة القدس"، ولا بعض القنوات الخليجية مهما بدلت جلدها ولا حتى الجماعات السنية التي تمسحت بطهران واستعارت لغتها العقائدية...كل هؤلاء لن يفلحوا أبدا في مسح آثار ما تعتبره المرجعية الشيعية "جريمة الأصل" المتمثلة في مأساة كربلاء التي لن يتوقف نزيفها إلا بعد رفع الرايات الخضر على الكعبة والقبة الخضراء وتشيع العالم الإسلامي من محيطه إلى خليجه.
ولهذا لن تجد في العقيدة السياسية الإيرانية مانعا من إبرام "اتفاق نووي" مع من اغتالوا سليماني وهددوا بقتل المرشد الأعلى، لكنك لن تجد لديهم نفس الاستعداد للصفح عن خصومهم المذهبيين، حتى يلعنوا عائشة وأبا بكر وعمر وعثمان ويكفروا معاوية ويزيد . فهم يغفرون لمن اغتال قادتهم وعلماءهم ولن يغفروا لمن يخالف سرديتهم العقائدية، لأنهم خصوم خالدون في الذاكرة ولا تنفع معهم لا "الوحدة الإسلامية" ولا "اللقاءات المذهبية" ولا صور الأقصى ولا الدموع على غزة ولا التحالف ضد الكيان المغتصب . فمن دخل حظيرتهم العقائدية، دفعت عنه الشكوك، ومن بقي خارجها فمهما صرخ ضد الصهيونية وندد وتحالف ، سيظل مدانا بجريمة "عتيقة" لا تسقط بالتقادم. وبهذا ستظل إيران دولة ثأر و دولة ذاكرة. تصالح من قصفها...ولن تصالح من خالفها.