الآن، "وقعت الفأس في الرأس"، ونفذت الولايات المتحدة الأمريكية ضربتها المتوقعة، والتي كانت إيران في طليعة المتوقعين لحدوثِها... فماذا بعد؟!
هل سترتدي إيران جُبّة الشجعان وترد بدورها بضربات تصيب بها إحدى أو بعض أو كل القواعد الأمريكية بالمنطقة الشرق أوسطية، وهي التي تبدو قادرة على ذلك؟
أم هل سترسل وحدات انتحارية إلى التراب الأمريكي لإنجاز عمليات كوموندوس، لرد الاعتبار، يقتني منفذوها تذاكر ذهاب إلى بلاد "العم ترامب" بلا إياب؟
أم هل سيفتح النظام الإيراني، المترنّح بفعل سكرة الموت، مجالسَ للمَراثي، وللبكاء والعويل عند أعتاب منتظم دولي ليست له آذانٌ يسمع بها، ولا عقولٌ يفقه بها، ولسان حاله يقول: "الأمر ليس أمري فافعلي ما بدا لك يا جارة"؟!!
الجيوش الإيرانية أثبتت منذ بداية أول هجمة إسرائيلية بأنها فقدت وسائل دفاعها الجوي بالكامل، منذ تلك الضربة الأولى، التي كانت في مثل دِقّة العمليات الجراحية الأكثر تعقيداً، ولم تعد تلك الجيوش بالتالي تمتلك سوى سلاح الصواريخ البالستية والعابرة للحدود، لأن مخابئ هذه الصواريخ كثيرة، ومتفرقة، وتكاد مواقعُها تَخفَى حتى على الإيرانيين أنفسهم، ولذلك لم تصل إليها الآلة الجهنمية الإسرائيلية، رغم شبكات عيونها الشبيهة بشبكات عيون النحلات العاملة، متعددة الشاشات، ومتنوِّعة زوايا الإبصار!!
بيد أن ذلك الضيق، في وسائل الرد، لم يمنع العالم من الوقوف مشدوهاً أمام الضربات التي توالت بقوة وبسرعة قياسية على المدن الإسرائيلية، وخاصة في حيفا وتل أبيب، مما أثار زخماً غيرَ مسبوق من الذعر في صفوف المواطنين الإسرائيليين، الذين اعتادوا على مدار السنين على هجمات فلسطينية ضعيفة وضئيلة بقذائف "الكاتيوشا"، التي تبدو بالمقارنة مع صواريخ إيران المستعملة في اليومين الماضيين أشبه باللعب النارية المتداولة بين أطفال المنطقة ويافعيها، مما جعل منسوب التذمر داخل إسرائيل يرتفع ضد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لترتفع معه أصوات المُطالِبين برحيله، لأنه لم يحقق الانتصار السريع والحاسم الذي كانوا ينتظرونه، بل حقق فقط المزيد من التهديد لأمن الدولة العبرية، والمزيد من الخوف والهلع بين صفوف مواطنيها، ولا ريب أن أعداداً وفيرة من هؤلاء بدأت تفكر في مغادرة المنطقة بالكامل، والعودة من حيث أتت في ستينات وسبعينات القرن الماضي!!
ثم ماذا سيقع في حالة إقرار النظام الإيراني لخيار الرد على الولايات المتحدة الأمريكية؟
هل ستقف إدارة ترامب مكتوفة الأيدي بدافع تَفهُّمِها لردة الفعل الإيرانية، الهادفة إلى حقن ماء الوجه أكثر من استهدافِها الانتقامَ، أو الثأرَ، أو تحقيقَ أي مكسب ميداني يعلم الأيرانيون قبل غيرهم أنه من قَبيل المستحيلات؟!
أم أن الولايات المتحدة نفذت هجومها الأول كتمهيد لهجمات أكبر وأثقل وأوسع في حالة صدور أي رد عسكري من الجانب الإيراني، وهو ما أكده الرئيس دونالد ترامب في تدوينة له عبر النت جاء فيها أن القوات الأمريكية ستنفذ ضربات أقوى وأثقل وأوسع في حالة صدور أي هجوم إيراني باتجاه أيّ قاعدة من القواعد الأمريكية الموجودة بالمحيط الإيراني، في قطر والسعودية وتركيا والعراق... وما أكثرها؟!
أم أننا نشرف الآن على نهاية هذه المسرحية "الدراماتيكوهزلية" بجلوس كل من إيران وإسرائيل، تحت الرعاية الأمريكية، أو برعاية صورية لمجلس الأمن، للاتفاق على الخطوط الحمراء التي ستلتزم إيران بعدم تخطّيها من الآن فصاعداً، كما حدث مع العراق بعد حربي الخليج الأولى والثانية، فتَعدِل بذلك عن حلم امتلاك السلاح النووي، وحتى أسلحة الدمار الشامل، وتقبل بتفكيك صواريخها العملاقة، وتفتح الأبواب على مصاريعها أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكل الوكالات المماثلة والمكلفة دوليا وأمميا بمراقبة التسلّح، ومِن ثَم فسلام الله على "حلم إعادة بعث أمبراطورية فارس العظمى"، التي شكلت هاجساً لكل العرب من شرق الوطن العربي إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه... ولعل هذا بالذات، هو الذي جعل العرب، كل العرب، يوثِرون دورَ المتفرج، الحكيم، والرزين، و"الداخل سوق راسو"، باستثناء جارتنا الشرقية الشمطاء، التي لم تستطع لغبائها القياسي أن تُخفي تَعاطُفَها مع الملاّلي وخاميناي وحرسهما الثوري، بل نزلت إلى الساحة أنباء عن تورّط النظام الجزائري في تعاون استخباراتي وعسكري ومذهبي مع هؤلاء الأواخر، تماماً كما حدث بين عساكر الموراديا ونظام الجزار بشار الأسد، مع التذكير بوجود إبراهيم الرخيص والأربعين حرامي المشكلين لقيادات البوليساريو في ثنايا هذه العلاقات الملتبسة!!
الجميع ينتظر ما ستنبلج عنه الساعات القادمة من رد أو صمت أو نحيب من الجانب الإيراني، وإن كانت التوقعات تكاد تجمع على وشك وقوع تغيير جذري في الطغمة الحاكمة في طهران، كمقدمة معقولة ومقبولة للجلوس إلى طاولة المفاوضات... وإلا فالقادم سيكون لا محالة أسوأ وأخطر على جميع الأصعدة والمستويات!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد.