في عام 2022، بلغ إجمالي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المغرب حوالي 2.29 مليار دولار، محققًا بذلك استقرارًا نسبيًا مقارنة بعام 2021. وقد جاءت هذه النتائج في سياق عالمي غير مواتٍ، مطبوع باستمرار آثار جائحة كوفيد-19، وتدهور سلاسل التوريد، وارتفاع نسب التضخم على الصعيد الدولي. شكلت قطاعات العقار والنقل والخدمات المالية الوجهة الأساسية للاستثمارات الوافدة، بينما حافظ المغرب على موقعه ضمن أكبر أربع دول إفريقية استقطابًا لرؤوس الأموال الأجنبية، مستفيدًا من استقراره السياسي وتطوره البنيوي على مستوى البنيات التحتية واللوجستيك.
لكن عام 2023 حمل معه انتكاسة حادة، إذ لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الأجنبية 1.1 مليار دولار، مسجلة انخفاضًا بأكثر من 50% مقارنة بالسنة السابقة. ويُعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل، من أبرزها تشديد السياسات النقدية في البلدان المتقدمة وارتفاع أسعار الفائدة، فضلًا عن تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية، والتي أثّرت على شهية المستثمرين تجاه الأسواق الناشئة. كما لعبت المنافسة المتزايدة من دول مجاورة دورًا في تراجع الحصة المغربية، لا سيما في ظل إطلاق مشاريع ضخمة في مصر ونيجيريا جذبت حصة كبيرة من التدفقات الإفريقية. وفي السياق الوطني، ساهم بطء تنفيذ بعض المشاريع وتأخر عمليات تفويض الأراضي وتدبير ملفات المستثمرين في تأجيل تنفيذ عدة التزامات.
مع حلول عام 2024، استعاد المغرب نسقًا تصاعديًا قويًا، حيث ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي بنسبة 55%، لتبلغ 1.64 مليار دولار. هذا الانتعاش تأتى بفعل تنامي مشاريع الطاقة الخضراء، لاسيما في مجال الهيدروجين الأخضر والأمونياك، ما جعل المغرب يُصنف كفاعل محوري في التحول الطاقي الإفريقي. كما استفادت المملكة من بروزها كقاعدة صناعية إقليمية في قطاعات السيارات، والبطاريات، والإلكترونيات، مما جذب استثمارات استراتيجية من أوروبا وآسيا. في الوقت ذاته، واصلت الدار البيضاء تعزيز موقعها كمركز مالي إفريقي من خلال منطقة “كازابلانكا فاينانس سيتي”، التي استقطبت شركات متعددة الجنسيات بفضل ما توفره من تحفيزات تنظيمية ومالية.
المسار العام لتطور تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال هذه السنوات الثلاث يُبرز شكلًا تصحيحيًا حادًا، قاعدته سنة 2023، التي مثلت قمة الأزمة، وأعلاهما سنة 2022، ثم التعافي الصاعد في 2024. هذا المسار يضع أمام المغرب ثلاث خلاصات استراتيجية: أولًا، التأكيد على صمود البنية الاقتصادية المغربية رغم التحديات، ثانيًا، ضرورة تنويع قاعدة المستثمرين والقطاعات المستهدفة بدل الاعتماد على مشاريع ضخمة ظرفية، وثالثًا، توسيع قاعدة القيمة المضافة المحلية وتعميق الاندماج الصناعي لجعل هذه الاستثمارات رافعة مستدامة للنمو.
رغم هذه التقلبات، يظل المغرب من أبرز الوجهات الاستثمارية في إفريقيا، مدعومًا باستقراره السياسي، وتنوع اقتصاده، وتوجهه الواضح نحو الطاقات المتجددة والتحول الصناعي الرقمي. غير أن التحدي الحقيقي يكمن في ضمان استمرارية هذه الدينامية وتحويل تدفقات الاستثمارات من كونها ظرفية إلى رافعة تنموية مستقرة، قائمة على استباق التغيرات الجيو-اقتصادية وبناء عرض ترابي وجبائي وتنظيمي متكامل. بهذه المقاربة، يمكن للمغرب أن يرسخ موقعه كقطب استثماري إفريقي–أوروبي مستقبلي، قادر على استقطاب رأس المال النوعي وتوطينه في مشاريع إنتاجية مستدامة.