عبد الفتاح البكاري: الشرطة الإدارية الجماعية.. بين صلاحيات التشريع وفشل التنزيل

عبد الفتاح البكاري: الشرطة الإدارية الجماعية.. بين صلاحيات التشريع وفشل التنزيل عبد الفتاح البكاري
تعد الشرطة الادارية الجماعية من أهم الوظائف الإدارية بالجماعات الترابية، لما لها من دور مهم وأساسي  في الحفاظ على النظام العام بعناصره الثلاث من أمن عام  وسكينة عامة  وصحة العامة، ولأهميتها في التنمية المحلية ودورها الحيوي في حماية حريات المواطنين وحقوقهم، فقد أسند المشرع المغربي ممارستها  لرؤساء  المجالس الجماعية دون سواهم  بمقتضى المادة 100 من القانون التنظيمي 113.14 ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ثقة المشرع في رؤساء المجالس الجماعية في تولي تدبير هذا القطاع الحيوي الذي أصبح يعتبر من بين أهم خدمات القرب التي تقدم  للمواطنات وللمواطنين.  
 
الآليات القانونية لتنزيل الشرطة الادارية الجماعية
لأهمية السلطة التنظيمية في الحياة اليومية للمواطنين والمواطنين، فإن  المشرع المغربي أسند  ممارستها  لرئيس الحكومة على الصعيد الوطني  بمقتضى الفصل 90 من الدستور المغربي، وأجاز له تفويضها لباقي وزراء حكومته، وهم بهذا التفويض يمارسون الشرطة الإدارية بمقتضى قوانين خاصة  تختلف من وزارة لأخرى، وبالموازاة مع ذلك، أسند المشرع المغربي أيضا الى رؤساء الجماعات الترابية  حق ممارسة السلطة التنظيمية على الصعيد المحلي، بمقتضى الفصل 140 من الدستور، حيث نصت  فقرته الأخيرة على "تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى في مجال اختصاصاتها وداخل دائرتها الترابية على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحيتها" وهذا ما أكدته المادة 95 من القانون التنظيمي سالف الذكر التي تنص على  أن رئيس الجماعة يمارس بعد مداولات المجلس السلطة التنظيمية بموجب قرارات، وبهذه الصلاحية  يكون المشرع المغربي قد بوأ المجالس الجماعية مكانة كبيرة  بمنح رؤسائها سلطة حماية النظام العام  بمدلولاته الثلاث على صعيد نفوذ جماعاتهم الترابية، وذلك بممارسة الشرطة الإدارية الجماعية، التي أصبحت تعد من بين أهم الوظائف التي تساهم في استتباب الأمن المحلي، وذلك  بإبعاد كافة أشكال المخاطر التي تهدد سلامة وصحة المواطنات والمواطنين، بالرجوع الى المادة 100من القانون التنظيمي سالف الذكر، نجدها تنص على أن رئيس مجلس الجماعة يمارس الشرطة الإدارية في ميادين الصحة والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية وبواسطة شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع، وكذلك  باقي الاختصاصات الواردة في المادة سالفة الذكر التي أوردها المشرع على سبيل المثال وليس الحصر. 

 
و بما أن المجالس الجماعية لا تتوفر على ترسانة قانونية تحدد مجال اشتغالها في ميدان الشرطة الإدارية، حيث لا يوجد أي نص قانوني خاص يحدد نطاق تدخلها و العقوبات التي يجب تطبيقها، كما أنها لا تتوفر على أجهزة إدارية خاصة لتسييرها، ولتدارك هذا الفراغ القانوني أوكل المشرع المغربي للمجالس الجماعية صلاحية استصدار قرارات تنظيمية جماعية، غالبا ما تتعلق  بإحداث فرقة المراقبين بزي رسمي وتحديد مهامهم، وبالسير والجولان، وبتنظيم محلات الأنشطة التجارية والصناعية والمهنية والحرفية و بفتح واستغلال المخابز وصنع الحلويات، وبشرطة الجنائز وبحفظ الصحة ...الخ، ولكي تكتسب هذه القرارات التنظيمية شرعيتها القانونية، يتعين إحداثها  بشكل سليم مع  احترام الإجراءات القانونية الواردة في مواد القانون التنظيمي 113.14، بدءا من عرضها في إحدى دورات المجلس الجماعي للتداول فيها طبقا للمادة  92 من القانون التنظيمي مع مراعاة أحكام المادة 43 منه، وذلك بعد تقديم طلب إدراجها في إحدى دورات المجلس الجماعي سواء من طرف رئيس المجلس الجماعي، أو من طرف أغلبية المجلس الجماعي  أو من طرف عامل الإقليم، ومثل هذه الحالات غالبا ما يتم طلب إدراجها من طرف السلطة الإقليمية، بعد ذلك تحال هذه القرارات التنظيمية على عامل الإقليم  باعتباره الجهاز الذي يمارس الرقابة على شرعية  قرارات رئيس المجلس ومقررات مجلس الجماعة طبقا لمقتضيات المادة 115 من القانون التنظيمي سالف الذكر، ويتعين أثناء إحالة هذه المقررات مراعاة أحكام المواد 116 و118 من القانون التنظيمي سالف الذكر، وأخيرا يجب على رئيس المجلس الجماعي  نشر هذه القرارات التنظيمية بالجريدة الرسمية للجماعات الترابية طبقا لمقتضيات المادة  277 من القانون سالف الذكر، عملية النشر هذه، تعد إجراء قانوني أساسي يتم بمقتضاه إخبار المواطنات والمواطنين بدخول هذه القرارات حيز التنفيذ، وهي بذلك تضفي عليها  الصبغة الرسمية والقانونية وبالتالي تصبح مصدر تشريع خاص بمجلس الجماعة، كما أن المشرع المغربي منح لرئيس المجلس الجماعي  صلاحيات قانونية قوية من أجل تنفيذ جميع القرارات التي تدخل ضمن اختصاصاته تلقائيا، طبقا للمادة 107 من نفس القانون ولو بطلب استعمال القوة العمومية طبقا لمقتضيات المادة  108 من القانون التنظيمي سالف الذكر، وبدون تجاوز في استعمال السلطة، لكون المواد الواردة في القرارات التنظيمية، ولئن كانت تعد آلية من الآليات القانونية المحلية لضبط وتقييد حريات المواطنات والمواطنين، إلا أنها تبقى تحت رقابة القضاء الإداري مثلها مثل باقي القرارات الإدارية الأخرى قابلة للإلغاء إن تبث فيها عيب تجاوز السلطة،  مما يتعين معه ضرورة  تحقيق توازن بين بنود تلك المقررات وبين الحق في ممارسة الحقوق والحريات، 
فشل التنزيل وتداعياته على النظام العام المحلي

 
لئن كانت بعض الجماعات، على قلتها، انخرطت بشكل إيجابي في تنزيل وظيفة الشرطة الإدارية الجماعية، وذلك بتعيين موارد بشرية الخاصة بها مع تخصيص بدلة موحدة وبطاقة مهنية لهم وتخصيص سيارة خدمة لصالحهم مكتوب عليها "الشرطة الإدارية الجماعية"، لتسهر على تنفيذ مختلف مواد القرارات التنظيمية الجماعية عبر مراقبة الخدمات المقدمة للمواطنات والمواطنين في مجال حفظ الصحة والنظافة والسهر على تنظيم استغلال الملك الجماعي، مع تدوين المخالفات في حق كل من تبت مخالفته للقرارات التنظيمية الجماعية، وهناك أيضا مجالس جماعية قامت بتنزيل وظيفة الشرطة الإدارية، إلا أنها قامت بتجميد خدماتها، وهذا يحتاج الى مساءلة قانونية، لأن الأمر يتعلق بخدمة عمومية تدخل في صلب اختصاص المجالس الجماعية. 
 
لكن واقع الحال، يبين أن أغلبية المجالس الجماعية تقاعست في تنزيل وظيفة الشرطة الإدارية الجماعية، رغم أنها  ملزمة، دستوريا، بإحداثها  بالجماعات الترابية، لكون المشرع المغربي منح كافة الضمانات والصلاحيات القانونية  للمجالس الجماعية بإحداث الشرطة الإدارية في القانون التنظيمي 113.14، بل ارتقى بها لتصبح مؤسسة تشريعية على الصعيد المحلي تصدر قوانين خاصة بها تسمى قرارات تنظيمية  أو مراسيم تنظيمية، بل حتى مراحل استصدارها  تشبه بشكل كبير، المراحل التي يتم بمقتضاها إصدار القوانين بالبرلمان، كما هو منصوص عليه في الفصل 78 من الدستور المغربي، وبالرغم من ذلك، فإن  المجالس الجماعية لم تستطع تنزيلها معللة أسباب فشلها بذرائع  واهية لا سند قانوني لها، في ضرب صارخ لأحكام ميثاق المرافق العمومية ولمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.  
 
إن فشل المجالس الجماعية في تنزيل وظيفة الشرطة الإدارية الجماعية له تداعيات جد سلبية على النظام العام بالجماعات الترابية، فهو من جهة، ساهم بشكل مباشر في إحداث فوضى واضحة المعالم، فالكلاب الضالة منتشرة في شوارع  وأزقة المدن، وكذلك الحيوانات الشاردة نجدها تتجول بكل أريحية في أزقة المدن وشوارعها، وأصبحت قطعان الماشية تتخذ من حاويات الأزبال مرتعا لها، وبائعي المأكولات هم كذلك انتشروا كالفطر في الأزقة بدون مراقبة  مصدر سلعهم مهددين صحة وسلامة المواطنين للخطر و احتلال الملك العمومي أصبح  مباحا بشكل غريب حتى أصبح وكأنه ملك للمعتدين عليه، وتدبير مواقف السيارات أصبح تحت رحمة مافيا "الجيليات الصفراء"،  ناهيك عن وجود محلات تجارية تفتح بدون رخصة خاصة في العالم القروي، ومن جهة أخرى،  سيعرض هذا الفشل المجالس الجماعية  للعديد من دعاوى التعويض، باعتبارها مسؤولة مدنيا عن الأضرار التي تلحق بالمواطنين، والتي تكون هي سببا فيها، فمثلا  فهي ملزمة بتعويض متضرر من عضة كلب وملزمة أيضا بتعويض متضرر من مأكولات مسمومة وقد يرتفع  التعويض في حالة الوفاة، وملزمة بتعويض من تتعرض ممتلكاته المتنقلة للضرر من الحيوانات الشاردة ... الخ، فالفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود جاء صريحا في مثل هذه الوقائع، حيث نص على  أن " الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة عي سير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها"، وكذلك الفصل 80 من القانون سالف الذكر، فهو ولئن ألزم الموظف المتسبب للضرر بالتعويض إلا أنه فرض ذلك التعويض على الجماعات الترابية في حالة عسر الموظف، حيث نص على" مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم، ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها
 
إن استفحال هذه المظاهر السلبية بهذا الشكل، أصبحت تشوه المدن والقرى، يطرح معها أكثر من تساؤل حول من يتحمل مسؤولية فشل تزيل وظيفة الشرطة الإدارية بالجماعات الترابية، هل هي سلطة الوصاية التي أغفلت إنذار رؤساء الجماعات ولم تنبههم بضرورة إحداث الشرطة الإدارية مادام أنها تمارس سلطة الرقابة الإدارية على قرارات ومقررات المجالس الجماعية؟ أم يرجع السبب في ذلك الى رؤساء الجماعات الترابية مخافة فقدانهم قلاعهم الانتخابية إن هم مارسوا سلطة ضبط المواطنات والمواطنين؟  أم ان هناك جهة ما تحاول إضعاف سلطة رؤساء الجماعات الترابية في ممارسة الشرطة الإدارية الجماعية؟  
عبد الفتاح البكاري، متصرف بجماعة سيدي قاسم