الحرب بين إسرائيل وإيران.. الحسابات الضرورية والأسئلة الحارقة!

الحرب بين إسرائيل وإيران.. الحسابات الضرورية والأسئلة الحارقة!
بماذا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬إقدام‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬غارات‭ ‬جوية‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬عسكرية‭ ‬ومنشآت‭ ‬نووية‭ ‬إيرانية؟‭ ‬هل‭ ‬تسعى‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬بالفعل‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬الإقليمي،‭ ‬أم‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬قوة‭ ‬"الردع‭ ‬العسكري"‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬أم‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬تنزيل‭ ‬المخطط‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬خريطة‭ ‬التحالفات‭ ‬الإقليمية‭ ‬بمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؟
 
على‭ ‬الواجهة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬طهران‭ ‬إلى‭ ‬توجيهها‭ ‬إلى‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وواشنطن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإمعان‭ ‬في‭ ‬إمطار‭ ‬المدن‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بالصواريخ‭ ‬الباليستية؟‭ ‬وبماذا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬إصرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬لم‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬الإيراني،‭ ‬وعلى‭ ‬أن‭ ‬«القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬سترد‭ ‬بأقصى‭ ‬قوة،‭ ‬وبمستويات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬إذا‭ ‬تعرضت‭ ‬لهجوم‭ ‬إيراني»،‭ ‬وأنه‭ ‬سيعمل‭ ‬بشكل‭ ‬حثيث‭ ‬على‭ ‬«إيقاف‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الطرفين»‭ ‬و«التوصل‭ ‬قريبا‭ ‬إلى‭ ‬السلام»؟
 
لم‭ ‬يخف‭ ‬الرئيس‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬إسحاق‭ ‬هرتسوغ،‭ ‬في‭ ‬تصريحاته‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬تنفيذ‭ ‬الضربة‭ ‬الجوية،‭ ‬أن‭ ‬الهجمات‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬«تغيير‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط»‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرحه‭ ‬المراقبون،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬التطورات‭ ‬الميدانية،‭ ‬يظل‭ ‬هو:‭ ‬ألم‭ ‬يرتكز‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬على‭ ‬فرضيات‭ ‬خاطئة‭ ‬قد‭ ‬تُفضي‭ ‬إلى‭ ‬كوارث‭ ‬استراتيجية‭ ‬إقليمية‭ ‬وعالمية‭ ‬يصعب‭ ‬تداركها؟‭ ‬هل‭ ‬تملك‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأمريكا‭ ‬تصورات‭ ‬دقيقة‭ ‬حول‭ ‬طبيعة‭ ‬القوة‭ ‬الإيرانية؟‭ ‬
 
في‭ ‬تقرير‭ ‬لها،‭ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬مجلة‭ ‬«فورين‭ ‬أفيرز»،‭ ‬في‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬فعالية‭ ‬المنطق‭ ‬الذي‭ ‬يستند‭ ‬إليه‭ ‬الخطاب‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬الافتراض‭ ‬السائد‭ ‬حول‭ ‬هشاشتها‭ ‬لا‭ ‬يصمد‭ ‬أمام‭ ‬اختبار‭ ‬الوقائع‭. ‬فإيران،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تكبّدته‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬ميدانية،‭ ‬وفقدان‭ ‬أذرعها‭ ‬الإقليمية،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تملك‭ ‬شبكة‭ ‬نفوذ‭ ‬معقدة‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬اليمن،‭ ‬وتحافظ‭ ‬على‭ ‬حضورها‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ساحة‭. ‬وأضافت‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬ضربة‭ ‬استباقية‭ ‬تُعيد‭ ‬إيران‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬وتدفعها‭ ‬إلى‭ ‬الاستسلام‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬«السعي‭ ‬نحو‭ ‬امتلاك‭ ‬قنبلتها‭ ‬النووية»،‭ ‬فإن‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬الواسع‭ ‬كشف‭ ‬أن‭ ‬طهران‭ ‬طوّرت‭ ‬قدرة‭ ‬هجومية‭ ‬فعّالة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تُختزل‭ ‬في‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬ردع‭ ‬رمزية‭ ‬أو‭ ‬محتشمة،‭ ‬أو‭ ‬بلاغات‭ ‬التهديد،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إشهاد‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬أراضيها،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬الرد‭ ‬جاء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تحريك‭ ‬أسراب‭ ‬من‭ ‬«الدرونات»‭ ‬الدقيقة،‭ ‬وتوجيه‭ ‬مئات‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬ذات‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬نحو‭ ‬أهداف‭ ‬عسكرية‭ ‬وأمنية‭ ‬إسرائيلية‭. ‬فهل‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تتوقع‭ ‬هذا‭ ‬الرد‭ ‬القوي‭ ‬من‭ ‬طهران؟‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬تعول‭ ‬على‭ ‬التردد‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬كيان‭ ‬تدعمه‭ ‬أمريكا؟‭ ‬هل‭ ‬بادرت‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم‭ ‬لأنها‭ ‬اعتقدت‭ ‬إن‭ ‬أذرع‭ ‬طهران‭ ‬أصبحت‭ ‬باردة،‭ ‬وأنها‭ ‬ستجبن‭ ‬أمام‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬لإسرائيل؟
 
يشير‭ ‬الخبير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأمريكي‭ ‬كينيث‭ ‬بولاك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إيران،‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬الميدانية‭ ‬الحالية،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬دولة‭ ‬«وظيفية»‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬فاعلًا‭ ‬مستقلًا‭ ‬يمتلك‭ ‬حسابات‭ ‬خاصة‭ ‬وشبكات‭ ‬تأثير‭ ‬يصعب‭ ‬تفكيكها‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح‭ ‬وحدة،‭ ‬وأي‭ ‬قراءة‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬ستجعل‭ ‬من‭ ‬إقرار‭ ‬وضع‭ ‬إقليمي‭ ‬جديد‭ ‬أمرا‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتنزيل‭. ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬تريتا‭ ‬بارسي،‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي،‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬ضد‭ ‬إيران‭ ‬ستؤدي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬إلى‭ ‬انزلاق‭ ‬نحو‭ ‬حرب‭ ‬أوسع،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬الضربات‭ ‬الجراحية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬التهديد‭ ‬الإيراني‭ ‬فهو‭ ‬خاطئ،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الضربات،‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬قد‭ ‬تؤجل‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬لكنها‭ ‬لن‭ ‬تدمّره‭ ‬تدميرا‭ ‬نهائيا،‭ ‬بل‭ ‬ستدفع‭ ‬نظام‭ ‬طهران‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬حظر‭ ‬الانتشار‭ ‬النووي‭ ‬وتسريع‭ ‬تطوير‭ ‬القنبلة‭ ‬النووية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتفق‭ ‬معه‭ ‬مارك‭ ‬فيتزباتريك،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬حذّر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التهديد‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬إيران‭ ‬الآن،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تندفع‭ ‬نحوه‭ ‬بعد‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬تدفعها‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الإطار‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬تمامًا‭.‬

أمام‭ ‬المعطيات‭ ‬الجديدة،‭ ‬واستمرار‭ ‬الكر‭ ‬والفر‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬النجاحات‭ ‬التكتيكية‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأمريكا‭  ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجبهات‭ ‬الشرق-أوسطية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬قادة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬أو‭ ‬إضعاف‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬النظام‭ ‬السوري،‭ ‬لم‭ ‬تفض‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬مكاسب‭ ‬استراتيجية‭ ‬ثابتة‭ ‬بإمكانها‭ ‬إضعاف‭ ‬إيران؟
 
لماذا‭ ‬فشل‭ ‬الرصد‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬في‭  ‬إنتاج‭ ‬توترات‭ ‬أخرى‭ ‬«غير‭ ‬الخيار‭ ‬العسكري»‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬إضعاف‭ ‬إيران،‭ ‬والدفع‭ ‬بها‭ ‬نحو‭ ‬القبول‭ ‬بوضع‭ ‬جديد‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الإذعان‭ ‬لإملاءات‭ ‬واشنطن؟‭ ‬ثم‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تتوقع‭ ‬أن‭ ‬ضربة‭ ‬قوية‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬إلى‭ ‬إشعال‭ ‬انتفاضة‭ ‬داخلية‭ ‬تعجل‭ ‬بزوال‭ ‬هذا‭ ‬النظام؟‭ ‬ألن‭ ‬تساهم‭ ‬الضربة،‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬الصف‭ ‬الوطني‭ ‬الإيراني‭ ‬أمام‭ ‬التهديد‭ ‬الخارجي،‭ ‬رغم‭ ‬اتساع‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬والمعارضة؟
 
إن‭ ‬إيران‭ ‬اليوم،‭ ‬حسب‭ ‬تقرير‭ ‬«فورين‭ ‬أفيرز»،‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬دولة‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬خطر‭ ‬إسرائيلي‭ ‬خارجي‭ ‬بحسابات‭ ‬أمريكية‭ ‬غير‭ ‬خفية،‭  ‬بل‭ ‬مركزا‭ ‬لشبكة‭ ‬تحالفات‭ ‬منسقة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تعطيل‭ ‬المصالح‭ ‬الأميركية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مسرح‭. ‬من‭ ‬مضيق‭ ‬هرمز‭ ‬(إيران‭ ‬تهدد‭ ‬بإغلاق‭ ‬المعبر)‭ ‬إلى‭ ‬باب‭ ‬المندب،‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬اللبنانية‭ ‬إلى‭ ‬الساحة‭ ‬العراقية،‭ ‬ومن‭ ‬الداخل‭ ‬السوري‭ ‬إلى‭ ‬العمق‭ ‬اليمني،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجبهات‭ ‬قد‭ ‬تُفتح‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬«بدأ‭ ‬الحوثيون‭ ‬يهاجمون‭ ‬إسرائيل»،‭ ‬مما‭ ‬يُحول‭ ‬أي‭ ‬ضربة‭ ‬غير‭ ‬مدروسة‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬نزاع‭ ‬إقليمي‭ ‬شامل‭. ‬وهنا،‭ ‬يبرز‭ ‬ما‭ ‬يحذر‭ ‬منه‭ ‬ريتشارد‭ ‬هاس،‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬لمجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يحتمل‭ ‬حروبًا‭ ‬جديدة،‭ ‬وأن‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تُعيد‭ ‬ضبط‭ ‬سياستها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أوهام‭ ‬القوة‭ ‬وسيناريوهات‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬السريع‭.‬
 
على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭ ‬إسرائيل‭ ‬–‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الدوائر‭ ‬الأمريكية،‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬«نظام‭ ‬ردع‭ ‬نهائي»‭ ‬عبر‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الباطشة،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬فوضى‭ ‬مستدامة‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬استقرار‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭. ‬فإيران،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تواجه‭ ‬مأزقًا‭ ‬داخليًا‭ ‬بين‭ ‬المحافظين‭ ‬والإصلاحيين،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانهيار،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬عسكري‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لمؤسساتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬سيمنح‭ ‬النظام‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬«طوق‭ ‬النجاة»،‭ ‬وسيُجمّد‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬لصالح‭ ‬«وحدة‭ ‬الجبهة»‭ ‬ضد‭ ‬العدو‭ ‬الخارجي،‭ ‬كما‭ ‬يُرجّح‭ ‬أن‭ ‬يُعيد‭ ‬هيكلة‭ ‬التحالفات‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬«شرق‭ ‬أوسط‭ ‬عظيم»‭ ‬بتعبير‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭.‬
 
إن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬اليوم،‭ ‬أمام‭ ‬مفترق‭ ‬طرق،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬خيار‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬الكلفة،‭ ‬لكنّ‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات،‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬تنازلات‭ ‬متبادلة،‭ ‬تبقى‭ ‬أقل‭ ‬الطرق‭ ‬كلفة‭ ‬وأكثرها‭ ‬عقلانية،‭ ‬بدل‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬بإمكان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬تنخرط‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬صريح،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬ترامب‭ ‬لشبكة‭ ‬"إي‭ ‬بي‭ ‬سي":‭ ‬«لسنا‭ ‬متورطين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭. ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬نتدخل‭. ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نتدخل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي»‭. ‬فهل‭ ‬ستتدخل‭ ‬أمريكا‭ ‬؟‭ ‬ومتى‭ ‬ستتدخل؟‭ ‬وهل‭ ‬التدخل‭ ‬إكراه‭ ‬استراتيجي؟‭ ‬وهل‭ ‬بإمكان‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬تضيع‭ ‬فرصة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي؟‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬طهران‭ ‬التي‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬«تفاوضها»‭ ‬حول‭ ‬برنامج‭ ‬«تخصيب‭ ‬اليورانيوم»‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬الضربات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الساحقة؟‭ ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬وفاق‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬لخوض‭ ‬غمار‭ ‬الخرب؟‭ ‬وما‭ ‬موقف‭ ‬إسرائيل‭ ‬الآن،‭ ‬بعد‭ ‬تعرضها‭ ‬لهجوم‭ ‬صاروخي‭ ‬ماحق‭ ‬وتوتر‭ ‬الوضع‭ ‬الداخلي،‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬تقدير‭ ‬قوة‭ ‬الخصم‭ ‬الذي‭ ‬وضعتها‭ ‬فيه‭ ‬أمريكا؟‭ ‬هل‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية‭ ‬وتوجيه‭ ‬الضربات‭ ‬إلى‭ ‬إيران،‭ ‬أم‭ ‬ستنكمش‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬محدودية‭ ‬أثر‭ ‬الهجوم،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬إيران‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬جاهزية‭ ‬دفاعية‭ ‬وهحومية‭ ‬مهمة؟‭ ‬وما‭ ‬موقف‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬العسكرية‭ ‬الراهنة،‭ ‬أم‭  ‬ستستمر‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬المتفرج‭ ‬المغلوب‭ ‬على‭ ‬أمره‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬سيادته‭ ‬على‭ ‬أجوائه‭ ‬الوطنية‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬باتت‭ ‬تملك‭ ‬الآن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬ساحة‭ ‬المواجهة،‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬الأردني‭ ‬أو‭ ‬العراقي‭ ‬أو‭ ‬السوري‭ ‬أو‭ ‬السعودي؟
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"
رابط العدد هنا