الهيري: هذه انتظارات وتحديات نقل تدبير ضريبتي السكن والخدمات الجماعية إلى إدارة الضرائب

الهيري: هذه انتظارات وتحديات نقل تدبير ضريبتي السكن والخدمات الجماعية إلى إدارة الضرائب عبد الرزاق الهيري، أستاذ الاقتصاد بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس
أعلنت المديرية العامة للضرائب عن شروعها رسميًا في تدبير وتحصيل ضريبتي السكن والخدمات الجماعية، وذلك ابتداءً من 12 يونيو 2025. ويأتي هذا التحول في إطار تنفيذ القانون رقم 14.25، الذي يُغيّر ويُتمم مقتضيات القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية، كما نُشر في الجريدة الرسمية عدد 7412. ويُنتظر أن يُسهم هذا الإجراء في إعادة تنظيم العلاقة بين الإدارة الجبائية والجماعات الترابية، وتحسين نجاعة تدبير الجبايات المحلية.
"أنفاس بريس" فتحت النقاش مع عبد الرزاق الهيري، أستاذ الاقتصاد بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس، وأثمر هذه الورقة:

يُعد القانون الجديد رقم 25-14 خطوة تهدف إلى نقل اختصاص الوعاء وتحصيل الرسم على السكن والخدمات الجماعية من الخزينة العامة للمملكة إلى المديرية العامة للضرائب. ورغم أهمية هذا النقل، إلا أنه يطرح بعض الإشكالات، أبرزها مسألة استقرار النص الجبائي، وكذا عدم استقرار العلاقة بين دافع الضريبة والإدارة الجبائية.
فالمواطن اليوم سيجد نفسه مطالبًا بالتعامل مع إدارة جديدة في ما يخص أداء واجباته الضريبية، ما قد يخلق نوعًا من الالتباس، لا سيما في الفترة الانتقالية. ومع ذلك، يُعتبر هذا القانون الجديد خطوة إيجابية، خصوصًا فيما يتعلق بتغيير طريقة التعامل مع الرسم المفروض على الأراضي غير المبنية، حيث أُعيد تحديد هذه الأراضي والمبالغ المفروضة عليها، مما سيسمح بإدراج عدد من العقارات التي كانت سابقًا خارج نطاق الجباية، وتوسيع الوعاء الضريبي، وبالتالي تحسين مردودية هذا الرسم.
يبقى التحدي الأساسي المطروح هو كيفية تفعيل وتطبيق هذا القانون الجديد على أرض الواقع، خاصة في ظل انتقال الاختصاصات من الخزينة العامة للمملكة إلى المديرية العامة للضرائب.
ينص القانون رقم 25-14، الذي يعدل ويتمم القانون رقم 06-47 المتعلق بجباية الجماعات الترابية، في المادة الرابعة على أن هذا القانون يدخل حيز التنفيذ ابتداءً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وذلك في أجل أقصاه شهران من تاريخ النشر.
وبموجب هذا القانون، يجب نقل ملفات الملزمين الخاضعين لرسم السكن ورسم الخدمات الجماعية من مصالح الخزينة العامة للمملكة إلى مصالح المديرية العامة للضرائب، وكذلك إلى القوابض الجماعيين بالنسبة لباقي الرسوم، باستثناء الرسم المهني ورسم السكن ورسم الخدمات الجماعية. وتشمل هذه الملفات جميع الوثائق والمستندات والمعطيات المعلوماتية اللازمة لتصفية هذين الرسمين، وإصدارهما، وتحصيلهما، والبث في المطالبات والمنازعات المرتبطة بهما.

ووفق هذا القانون، يحل المدير العام للضرائب محل الخازن العام للمملكة في جميع القضايا المعروضة أمام المحاكم والمتعلقة برسم السكن ورسم الخدمات الجماعية، كما يحل القابض الجماعي محل الخازن العام للمملكة في القضايا المتعلقة بتحصيل باقي الرسوم، باستثناء الرسم المهني ورسم السكن ورسم الخدمات الجماعية.
ويتضح من مقتضيات المادة الرابعة من هذا القانون أن الاختصاصات المتعلقة بهذه الرسوم قد انتقلت من الخزينة العامة للمملكة إلى المديرية العامة للضرائب.

في هذا الإطار، أصدرت المديرية العامة للضرائب وثيقة توضح فيها خطة العمل المتعلقة بنقل تدبير وتحصيل الضريبة على السكن والخدمات الجماعية من الخزينة العامة للمملكة إلى المديرية العامة للضرائب. ويهدف هذا التغيير إلى تحسين جودة الخدمات وتعزيز الامتثال الضريبي، مع تسليط الضوء على المهام الجديدة والتأثيرات المترتبة على هذا الانتقال.
تتضمن هذه الوثيقة توضيحًا لمحاور الوعاء الضريبي وتحصيل الضرائب وتسوية المنازعات، مع التركيز على رقمنة الخدمات، واستعمال البيانات من أجل تنقية سجل الملزمين، وتحسين مساطر الأداء، ومعالجة النزاعات. كما تؤكد الخطة على ضرورة تعزيز الموارد البشرية، وهو عنصر أساسي لإنجاح هذا الورش الإصلاحي، إلى جانب إرساء تواصل مؤسساتي استباقي لمواكبته.

وتبرز الوثيقة مجموعة من التغييرات التي ستطرأ على عملية تحصيل هذه الضرائب ذات الطابع المحلي، من بينها إنشاء شبابيك استقبال خاصة بالملزمين، وإعادة هيكلة العلاقة معهم، وتوحيد القرارات، وتسهيل التبليغات، وتعزيز فعالية التدخلات، إلى جانب رقمنة وتحديث تدبير الوعاء الضريبي.

ومن أبرز الجوانب التي تناولتها الوثيقة، تعزيز الشراكات المؤسساتية، من خلال إعداد اتفاقية مع وزارة الداخلية، واعتماد آليات ذكية لجمع البيانات الحضرية والعقارية، بما يتيح كشفًا فوريًا للتغييرات الجديدة، وتحينًا دائمًا لقاعدة البيانات العقارية، مع تحديد الملزمين غير المصرّحين، ما من شأنه تحسين العائدات الجبائية.

كما تهدف الخطة إلى تحسين آليات التحصيل، سواء عبر تشجيع الأداء الطوعي من خلال تنويع وسائل الأداء وتخفيف كلفته الرقمية، أو من خلال تعزيز التحصيل الجبري عبر دعم الموارد والمصالح المختصة.

وفي ما يخص تدبير المنازعات، ستتولى المديرية العامة للضرائب معالجة الشكايات وطلبات الإعفاء، والدعاوى القضائية المرتبطة بهذه الضرائب، مع إحداث نظام معلوماتي يتيح الإدخال الفوري للشكايات غير المعالجة.

وعليه، فإن الأسابيع المقبلة ستشهد تحوّلاً ملموسًا في تدبير الجبايات المحلية، وانتقال عملية تحصيلها من الخزينة العامة إلى المديرية العامة للضرائب، ما يستدعي تعزيز الموارد البشرية، وتنظيم حملات تحسيسية وتكوينية، لضمان نجاح هذا الورش الإصلاحي الكبير، الذي يندرج في إطار القانون الإطار المتعلق بإصلاح المنظومة الجبائية، والذي كانت إحدى محطاته البارزة المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات.

ختاما، يجب الإشارة ان الجماعات الترابية الآن مطالبة بالقيام بدورها حسب ما تنص عليه القوانين التنظيمية للجماعات الترابية من أجل تحسين عيش خدمات المواطنين والخدمات الاجتماعية، كذلك من أجل تحسين البنيات التحتية والاستعداد للتظاهرات الرياضية الكبرى. وعموما من أجل الالتزام بما جاء في النموذج التنموي الجديد الذي حدد له أفق 2035.
بالنسبة لتوقعات العائدات الجبائية للجماعات الترابية التي تنشرها الخزينة العامة للمملكة فتبلغ حوالي 42 مليار درهم وفق توقعات سنة 2025. أما العائدات الجبائية وفق توقعات قانون مالية 2025 فتبلغ 330 مليار درهم.
في الحصيلة، العائدات الجبائية للجماعات الترابية تمثل حوالي 12.72 في المائة من العائدات الجبائية وفق قانون مالية 2025، وهذا الرقم يبقى ضئيلا
مقارنة مع الإمكانيات المتاحة لتوسيع الوعاء الضريبي.
هذا القانون الجديد ينتظر منه دعم العائدات الضريبية مع احترام المبادئ الاساسية التي ضمنت في القانون الإطار للإصلاح الجبائي وهي العدالة الجبائية والمساهمة في التنمية على الصعيد المحلي.