إن مسألة تمكين المغرب من سفن وتمكينه من أسطول استراتيجي لا تمليه الاعتبارات الاقتصادية فحسب، بل تمليه الدواعي السياسية والأمنية للمغرب.
فحسب الاستشارة التي أجريناها مع الخبير في القطاعين المينائي والبحري (المهندس نجيب الشرفاوي)، فإن كلفة باخرة ذات حمولة 30 ألف طن، لا تتعدى 100 مليون دولار (حوالي 100 مليار سنتيم).
وإذا علمنا أن معظم موانئنا تتوفر على عمق 18 مترا (مثلا: المحمدية والعيون )، أو 16 مترا (مثلا: الجرف الأصفر)، فإن هذه النوعية من السفن ذات حمولة 30 ألف إلى 60 ألف طن، تصلح للمغرب.
وبما أن الدولة أعلنت انخراطها في توفير أسطول استراتيجي، من المنطقي أن ينطلق بشراء سبع بواخر أساسية على الأقل، على أساس أن تسخر هاته السفن السبع للأنشطة الملاحية التالية:
أولا: باخرتان لشحن الفوسفاط (واحدة في الذهاب والثانية في الإياب)، علما أن لنا سوقا مهمة نوزع فيها الفوسفاط (الهند، البرازيل، باكستان، نيوزيلندا، روسيا وغيرها من الدول)، إذ نصدر في السنة ما يقارب 8 ملايين طن. وبالتالي، فاقتناء الباخرتين لن يجعل المغرب رهينة بيد الخارج، خاصة أن سعر الشراء مضمون من طرف السوق.
ثانيا: باخرة لنقل الحامض الفوسفوري، وهو أيضا سوق مهمة للمغرب، لأن المغرب يصدر ما معدله 4 مليون طن سنويا، والمستقبل يبشر بارتفاع منحنى التصدير.
ثالثا: باخرتان لنقل الفحم.
رابعا: باخرتان لنقل الحبوب.
وهذه البواخر أساسية، لأنها تهم منتوجات تدخل في باب "الأمن القومي" للمملكة.
انظروا إلى النرويج، التي لم تكتف بتملك أسطول استراتيجي فحسب، بل قامت بصياغة ميثاق (CHARTE PARTIE)، يلزم السفن، نرويجية وأجنبية، المكلفة بشحن منتوجات البلد بأن تحتكم للمحاكم النرويجية، وليس لمحاكم لندن أو نيويورك، في حالة وقوع نزاع.
خذوا مثال اليابان التي تستورد كل شيء تقريبا من الخارج. لم تشذ هي الأخرى عن القاعدة وصاغت نموذجا للميثاق (CHARTE PARTIE)، يلزم كذلك السفن التي تنقل السلع إلى اليابان بالاحتكام لمحاكم طوكيو وليس لمحاكم أجنبية.
هكذا، وفي مرحلة ثانية، ينبغي التفكير في إنشاء أسطول مخصص فقط لنقل المسافرين، لمواجهة الإكراهات المرتبطة بضرورة تسهيل تنقل مغاربة العالم، خاصة وأن لدينا خمسة ملايين مواطن مغربي عبر العالم، يتعرضون كل صيف لارتفاع كبير في أسعار النقل البحري حين يرغبون في زيارة عائلاتهم ومعانقة وطنهم.
من العار أن نرهن أمننا القومي لدى شركات ملاحة بحرية أجنبية لتلكؤنا في رصد مبلغ 700 مليون أو 800 مليون دولار حتى.
من العار أن نتوفر على سواحل بطول 3500 كلم ونسترخص على المغرب 700 مليون دولار لشراء 7 بواخر على الأقل، تكون نواة لأسطولنا الاستراتيجي.
إن المغرب، وهو مقبل على أجرأة المبادرة الأطلسية وفتح المحيط الأطلسي أمام دول الساحل، أمامه فرصة لاستعادة أمجاده البحرية، وهي فرصة أيضا لتطأ أقدام المغرب قطاعا واعدا في التشغيل وتحريك ماكينة الاقتصاد والمساهمة في رفع الناتج الداخلي الخام.
ولنا في كوريا خير مثال. فكوريا التي كانت دولة أفقر من المغرب في أوخر السبعينات من القرن العشرين، ولم تكن تتوفر حتى على "فلوكة" أو شامبرير"، هي اليوم دولة تمتلك أسطولا متطورا من أحدث السفن المدنية والحربية، لا بل وأضحت من أهم الدول التي تصنع وتبيع السفن والغواصات واليخوت لباقي دول المعمور.