بسد منافذها الحدودية على إرهابيي البوليساريو.. موريتانيا تصدم كابرانات الجزائر!

بسد منافذها الحدودية على إرهابيي البوليساريو.. موريتانيا تصدم كابرانات الجزائر! الملك محمد السادس لدى استقباله للرئيس ‬الموريتاني ‭ ‬ولد‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزواني
رغم‭ ‬توالي‭ ‬تلقي‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬للهزائم‭ ‬الديبلوماسية،‭ ‬الواحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬منذ‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬ظل‭  ‬الأمر‭ ‬الثابت‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬هو‭  ‬"بقاء‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه" (الستاتيكو)‭. ‬فالجزائريون‭ ‬ماضون‭ ‬في‭  ‬استخدام‭ ‬لغة‭ ‬الاستفزاز‭ ‬والتصعيد‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والإعلامي،‭ ‬والتهديد‭ ‬بالحرب‭ ‬و«الاستعراض‭ ‬الفارغ‭ ‬بلقوة»،‭ ‬ودعم‭ ‬الانفصاليين‭ ‬وتجيشهم،‭ ‬بل‭ ‬اختاروا‭ ‬الابتزاز‭ ‬أسلوبا‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬(إسبانيا؛‭ ‬فرنسا؛‭ ‬بريطانيا)‭ ‬التي‭ ‬انتصرت‭ ‬لمقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬المغربي‭.  ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التحول‭ ‬الكبير‭ ‬سيأتي‭ ‬من‭ ‬موريتانيا‭ ‬التي‭ ‬قررت،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬جذرية‭ ‬ولها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دلالة،‭ ‬أن‭ ‬تُقيّد‭ ‬حركة‭ ‬البوليساريو‭ ‬داخل‭ ‬أراضيها،‭ ‬مما‭ ‬سيسمح‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬بالإمساك‭ ‬النهائي‭ ‬بالأرض‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬الموريتانية‭.‬

خروج‭ ‬موريتانيا‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬التردد،‭ ‬وانخراطها‭ ‬الجاد‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬حدودها‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬جغرافي‭ ‬يشهد‭ ‬توترا‭ ‬عسكريا‭ ‬متصاعدا‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والبوليساريو،‭ ‬دليل‭ ‬تحول‭ ‬كبير‭ ‬يعكس‭ ‬التعاطي‭ ‬الإيجابي‭ ‬الذي‭ ‬أبداه‭ ‬الجانب‭ ‬الموريتاني‭ ‬مع‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الصارم‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬معبر‭ ‬الكركرات‭ ‬منذ‭ ‬نونبر‭ ‬2020،‭ ‬كما‭ ‬يعكس‭ ‬عدم‭ ‬رضوخ‭ ‬نواكشوط‭ ‬للتهديدات‭ ‬التي‭ ‬رفعها‭ ‬بعض‭ ‬قادة‭ ‬البوليساريو‭ ‬برفع‭ ‬السلاح‭ ‬ضدهم،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الموريتانية‭ ‬باتت‭ ‬تدرك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬أن‭ ‬ترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬للبوليساريو‭ ‬«دفاعا‭ ‬وهجوما»‭ ‬يعني‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬التماس‭ ‬مع‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬والصحراء‭ ‬الكبرى،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬إفساد‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الرباط،‭ ‬مما‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬توقيع‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬وترقية‭ ‬اللامركزية‭ ‬والتنمية‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬موريتانيا،‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬ولد‭ ‬محمد‭ ‬الأمين،‭ ‬بتاريخ‭ ‬11‭ ‬فبراير‭ ‬2025،‭ ‬على‭ ‬مقرر‭ ‬المعابر‭ ‬الحدودية‭ ‬الإلزامية‭ ‬على‭ ‬عموم‭ ‬الأراضي‭ ‬الموريتانية؛‭ ‬وهو‭ ‬المقرر‭ ‬الذي‭ ‬حدد‭ ‬82‭ ‬نقطة‭ ‬حدودية‭ ‬برية،‭ ‬منها‭ ‬8‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬المغرب‭.‬

لقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬التحوّل‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ليستعيد‭ ‬الجيش‭ ‬الموريتاني‭ ‬هيمنته‭ ‬على‭ ‬حدوده،‭ ‬وليسدّ‭ ‬الثغرات‭ ‬الحدودية‭ ‬التي‭ ‬ظل‭ ‬يستغلها‭ ‬مقاتلو‭ ‬البوليساريو‭ ‬ضد‭ ‬المغرب‭ ‬شرق‭ ‬الحزام‭ ‬الأمني،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬فشلهم‭ ‬الذريع‭ ‬والمتلاحق‭ ‬أمام‭ ‬يقظة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية،‭ ‬وبعد‭ ‬الهزائم‭ ‬النكراء‭ ‬التي‭ ‬استمروا‭ ‬بتكبدها‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الجدار‭ ‬الأمني‭.‬

إغلاق‭ ‬تلك‭ ‬الثغرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره‭ ‬بقرار‭ ‬أمني‭ ‬محض،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬تحوّل‭ ‬نوعي‭ ‬في‭ ‬قواعد‭ ‬الاشتباك‭ ‬الجيوسياسي‭. ‬فلعقود،‭ ‬شكّل‭ ‬المجال‭ ‬الموريتاني‭ ‬العازل‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬هامشًا‭ ‬لحركة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬ومنفذًا‭ ‬لوجستيًا‭ ‬حاسمًا‭ ‬لشنّ‭ ‬عمليات‭ ‬متفرقة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الحزام‭ ‬الرملي‭. ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬ومع‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الميدانية‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬الجيش‭ ‬الموريتاني،‭ ‬يتغيّر‭ ‬ميزان‭ ‬الحركة‭ ‬العسكري‭ ‬تمامًا‭. ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لجبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬القدرة‭ ‬الفعلية‭ ‬على‭ ‬تحريك‭ ‬قواتها‭ ‬عبر‭ ‬الأراضي‭ ‬الموريتانية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬دخولها‭ ‬مرحلة‭ ‬«الشلل‭ ‬في‭ ‬القدرات‭ ‬الهجومية»،‭ ‬وتحولًا‭ ‬حاسمًا‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬الميدانية‭ ‬لصالح‭ ‬الجيش‭ ‬المغربي‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يُضاعف‭ ‬من‭ ‬وزن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الحاسمة‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تأتِ‭ ‬متبوعة‭ ‬بتصريحات‭ ‬موريتانية‭ ‬نارية‭ ‬حول‭ ‬الأمن‭ ‬الحدودي،‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬رسمي‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬المعلن،‭ ‬وبالقدر‭ ‬نفسه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬احتفالية‭ ‬مغربية‭ ‬بهذا‭ ‬التحول‭ ‬القاطع‭. ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬نواكشوط‭ ‬تُبدي،‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬«الراعي‭ ‬الرسمي‭ ‬للبوليساريو»،‭ ‬تمسكها‭ ‬بـ‭ ‬«الحياد‭ ‬الإيجابي»‭ ‬كما‭ ‬درجت‭ ‬على‭ ‬تسميته‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الوقائع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تروي‭ ‬شيئًا‭ ‬آخر:‭ ‬موريتانيا‭ ‬اختارت،‭ ‬بالفعل،‭ ‬التقدّم‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬ترسيم‭ ‬موقفها‭ ‬العملي،‭ ‬عبر‭ ‬منع‭ ‬أي‭ ‬نشاط‭ ‬عسكري‭ ‬لجبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬أراضيها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثّل‭ ‬خروجًا‭ ‬هادئًا‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬التوازن‭ ‬السلبي‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬الانخراط‭ ‬الواقعي‭ ‬في‭ ‬ترتيبات‭ ‬الأمن‭ ‬الحدودي‭. ‬
 
الصدمة
وهو‭ ‬ما‭ ‬يحسم،‭ ‬الآن،‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الصراع‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬كما‭ ‬سيحسم‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬النزاع‭ ‬وأطرافه،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬ظلت،‭ ‬دائما،‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬ادعاء‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬طرفا‭ ‬فيه،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إقامتها‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬"فانتازيا‭ ‬عسكرية‭ ‬استعراضية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬المغربية،‭ ‬بإجراء‭ ‬مناورات‭ ‬تكتيكية‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يستتبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬بروباغندا‭ ‬وتسخير‭ ‬الأبواق‭ ‬وقرع‭ ‬الطبول‭ ‬وإعلان‭ ‬النفير،‭ ‬في‭ ‬رسائل‭ ‬يستفاد‭ ‬منها‭ ‬إبراز‭ ‬القوة‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬جاهزية‭ ‬مطلقة‭ ‬لحرب‭ ‬فاصلة‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭. ‬علما‭ ‬أن‭ ‬عسكر‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬المغامرة‭ ‬بفتح‭ ‬جبهة‭ ‬حرب‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬جارتها‭ ‬الغربية،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬أوضاع‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مزرية،‭ ‬وجبهة‭ ‬داخلية‭ ‬مفككة‭ ‬متربصة،‭ ‬وصراعات‭ ‬حادة‭ ‬بارزة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القيادات‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية،‭ ‬سيرتد‭ ‬عليها،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬المستوى‭ ‬العسكري‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬الجزائر‭ ‬مطوقة‭ ‬بحزام‭ ‬من‭ ‬الديناميت،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المطالبة‭ ‬بالاستقلال‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القبائل،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬نزاعاتها‭ ‬مع‭ ‬جوارها‭ ‬الإقليمي‭ ‬بمالي‭ ‬وليبيا‭ ‬والنيجر‭ ‬وبوركينافاصو،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مشاكلها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحل‭ ‬بعد‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬وازنة‭ ‬«فرنسا‭ ‬وإسبانيا»‭ ‬وضمور‭ ‬علاقة‭ ‬الثقة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬روسيا،‭ ‬ورخاوة‭ ‬الجبهة‭ ‬الليبية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأمني،‭ ‬والتوتر‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬والهزيمة‭ ‬المدوية‭ ‬لحزب‭ ‬لله‭ ‬اللبناني،‭ ‬وتراجع‭ ‬إيران،‭ ‬واندحار‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭.. ‬

والحق‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬الموريتاني‭ ‬بتجفيف‭ ‬ممرات‭ ‬التسلل‭ ‬لصالح‭ ‬المعابر‭ ‬الرسمية‭ ‬شكل‭ ‬صدمة‭ ‬تكتيكية‭ ‬للجزائر‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬ترعى‭ ‬«الاتفاق‭ ‬السري‭ ‬مع‭ ‬هيد‭ ‬لله»‭ ‬وتعتبره‭ ‬ساري‭ ‬المفعول‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬كما‭ ‬شكل‭ ‬انتكاسة‭ ‬كبيرة‭ ‬لطموحات‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬التي‭ ‬رأت‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬الموريتاني‭ ‬ضربًا‭ ‬لبنيتها‭ ‬العسكرية‭ ‬المتبقية،‭ ‬ونسفا‭ ‬لادعاء‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬الحضور‭ ‬الميداني‭ ‬عبر‭ ‬شن‭ ‬هجمات‭ ‬سريعة‭ ‬وغادرة‭ ‬على‭ ‬أهداف‭ ‬مغربية‭. ‬فالاحتجاج‭ ‬السياسي،‭ ‬مع‭ ‬النجاحات‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬المغربية،‭ ‬لا‭ ‬يُعوّض‭ ‬انسداد‭ ‬الجغرافيا‭ ‬واستحالة‭ ‬عبور‭ ‬الجدار‭ ‬الأمني،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المراقبة‭ ‬الجوية‭ ‬والرد‭ ‬الناري‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تهديد،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تشبث‭ ‬الرئيس‭ ‬ولد‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزواني‭ ‬بالخيار‭ ‬السيادي‭ ‬الجديد،‭ ‬مما‭ ‬سيمكن‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬تأمين‭ ‬المناطق‭ ‬الواقعة‭ ‬شرق‭ ‬الحزام‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مجازفة‭ ‬عسكرية‭.‬

ولا‭ ‬تقف‭ ‬المكاسب‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬القرار‭ ‬الموريتاني‭ ‬الجديد‭ ‬عند‭ ‬المستوي‭ ‬الأمني‭ ‬أو‭ ‬العسكري‭. ‬بل‭ ‬يتعدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬أخرى‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬الرباط‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬شراكاتها‭ ‬جنوبًا،‭ ‬وربط‭ ‬أقاليمها‭ ‬الصحراوية‭ ‬بشبكات‭ ‬تجارية‭ ‬واقتصادية‭ ‬نحو‭ ‬العمق‭ ‬الإفريقي‭. ‬وضمن‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يأتي‭ ‬مشروع‭ ‬فتح‭ ‬معابر‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الجنوب‭ ‬المغربي‭ ‬والشمال‭ ‬الموريتاني‭ ‬بوصفها‭ ‬مؤشرا‭ ‬على‭ ‬دينامية‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬تهم‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تنشيط‭ ‬المبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬عبر‭ ‬البر،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬إعادة‭ ‬توجيه‭ ‬خطوط‭ ‬التصدير‭ ‬نحو‭ ‬أسواق‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬عبر‭ ‬موريتانيا،‭ ‬بدل‭ ‬المرور‭ ‬بالموانئ‭ ‬الجزائرية‭ ‬أو‭ ‬الإسبانية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفتح‭ ‬أمام‭ ‬بلاد‭ ‬شنقيط‭ ‬آفاقًا‭ ‬اقتصادية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬ويمنحها‭ ‬موقعًا‭ ‬جغرافيًا‭ ‬محوريًا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُدر‭ ‬عليها‭ ‬مداخيل‭ ‬جمركية‭ ‬ضخمة،‭ ‬واستثمارات‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وربما‭ ‬تحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬لوجستية‭ ‬إقليمية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التفاهم‭ ‬مع‭ ‬الرباط‭ ‬قد‭ ‬يُترجم‭ ‬في‭ ‬شراكات‭ ‬أمنية‭ ‬وتكنولوجية،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تحتاج‭ ‬فيه‭ ‬موريتانيا‭ ‬إلى‭ ‬تحصين‭ ‬أمنها‭ ‬الداخلي‭ ‬ومواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬الساحل‭.‬
 
تعرية الجزائر
غير‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يبرز‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬الميداني‭ ‬الحاسم‭ ‬هو:‭ ‬هل‭ ‬سيتجاهل‭ ‬شنقريحة‭ ‬وتابعه‭ ‬تبون‭ ‬الخطوة‭ ‬الموريتانية‭ ‬التي‭ ‬ستكشف‭ ‬ظهرهم‭ ‬أمام‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي؟‭ ‬هل‭ ‬ستحترم‭ ‬الجزائر‭ ‬قرار‭ ‬موريتانيا‭ ‬السيادي‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬قرار‭ ‬يمثل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭ ‬تراجعًا‭ ‬خطيرًا‭ ‬لحزامها‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬الذي‭ ‬رعته‭ ‬طويلا‭ ‬وأغدقت‭ ‬عليه‭ ‬طويلا‭. ‬إذ‭ ‬لطالما‭ ‬رأت‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الموريتاني‭ ‬مكملاً‭ ‬لعمقها‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬وضمانة‭ ‬لتوازن‭ ‬ضد‭ ‬النفوذ‭ ‬المغربي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬المنفذ‭ ‬اللائق‭ ‬والوحيد‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬الأطلسية،‭ ‬عبر‭ ‬التعاون‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬كيان‭ ‬جغرافي‭ ‬تابع؟‭ ‬
من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬لن‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬الموريتاني‭ ‬سوى‭ ‬تعرية‭ ‬لظهره‭ ‬وكشف‭ ‬لزيف‭ ‬ادعاءاته،‭ ‬إذ‭ ‬ستنتقل‭ ‬مسؤولية‭ ‬تحريك‭ ‬الملف‭ ‬ميدانيًا‭ ‬بالكامل‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيجعلها‭ ‬الراعي‭ ‬الوحيد‭ ‬للصراع،‭ ‬دون‭ ‬وسائط‭ ‬ميدانية‭ ‬أو‭ ‬فاعلين‭ ‬محليين‭ ‬مستقلين‭. ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يعتبره‭ ‬الزعماء‭ ‬الكراغلة‭ ‬انحيازا‭ ‬ضمنيًا‭ ‬إلى‭ ‬الرباط،‭ ‬مما‭ ‬يفسر‭ ‬لجوئهم‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬محاولات‭ ‬تطويق‭ ‬القرار‭ ‬دبلوماسيًا،‭ ‬غبر‭ ‬تسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬الزيارات‭ ‬إلى‭ ‬نواكشوط،‭ ‬وعرض‭ ‬مساعدات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وطرح‭ ‬مشاريع‭ ‬تنموية‭ ‬مشتركة،‭  ‬بل‭ ‬ممارسة‭ ‬الضغط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحريك‭ ‬أوراق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬وهي‭ ‬الأوراق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬الابتزاز‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري،‭ ‬ومحاولة‭ ‬كسب‭ ‬الوقت‭ ‬لإفشال‭ ‬كل‭ ‬المبادرات‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬جسور‭ ‬دائمة‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وموريتانيا‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يصعب‭ ‬تجاوزه‭ ‬حقا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الصحراء‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الجيش‭ ‬المغربي‭ ‬التي‭ ‬بسط‭ ‬هيمنته‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬العازلة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬التوسعي‭ ‬الجزائري‭ ‬دخل‭ ‬في‭  ‬عزلة‭ ‬إقليمية‭ ‬متزايدة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬خسارة‭ ‬الجزائر‭ ‬لعمقها‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬والنيجر،‭ ‬وتراجع‭ ‬ثقة‭ ‬الحلفاء‭ ‬التقليديين،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬روسيا‭.‬

من‭ ‬الواضح،‭ ‬إذن،‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬الموريتاني‭ ‬سيعجل‭ ‬بانسداد‭ ‬الأفق‭ ‬الميداني‭ ‬للبوليساريو،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيفضي‭ ‬إلى‭ ‬اندلاع‭ ‬توترات‭ ‬إضافية‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬بين‭ ‬دعاة‭ ‬مراجعة‭ ‬الخط‭ ‬السياسي‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬واقعية،‭ ‬وبين‭ ‬القيادة‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬على‭ ‬الامتثال‭ ‬لأوامر‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬قرار‭ ‬نواكشوط‭ ‬بسد‭ ‬الثغرة‭ ‬الأمنية‭ ‬شرق‭ ‬الحزام‭ ‬الرملي‭ ‬ليس‭ ‬حدثًا‭ ‬معزولًا،‭ ‬بل‭ ‬لحظة‭ ‬سياسية‭ ‬حاسمة‭ ‬اختارت‭ ‬بموجبها‭ ‬موريتانيا‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تُمليه‭ ‬مصالحها‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬لا‭ ‬وفق‭ ‬«منطق‭ ‬التوازنات‭ ‬الخارجية»‭ ‬الذي‭ ‬دأبت‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬الانتفاع‭ ‬منه‭ ‬انتصارا‭ ‬لرهاناتها‭ ‬القديمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬دخلت‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة،‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬امتلاك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التكيّف‭ ‬مع‭ ‬المشهد‭ ‬الجديد،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬نزاع‭ ‬الصحراء،‭ ‬في‭ ‬صيغته‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬بدأ‭ ‬يدخل‭ ‬مرحلة‭ ‬الأفول‭..  ‬ولا‭ ‬سقف‭ ‬لإنهاء‭ ‬النزاع‭ ‬إلا‭ ‬القبول‭ ‬بمقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬المغربي‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الان"
رابط العدد هنا