الرميد: السياسي ليس بالضرورة عدوا للصحفي والعكس أيضا صحيح

الرميد: السياسي ليس بالضرورة عدوا للصحفي والعكس أيضا صحيح مصطفى الرميد

قال مصطفى الرميد، وزير الدولة السابق في حكومة سعد الدين العثماني (العدالة والتنمية)، إن المسؤول السياسي غالبًا ما يميل إلى التبرُّم من المتابعة الإعلامية النقدية أو الاستقصائية التي تفضح عيوب تدبيره ومساوئ قراراته. تمامًا كما هو الحال بالنسبة للصحفي الذي يكره مقاضاة المسؤول السياسي له، بدافع فضح كذبه عليه، دفاعًا عن كرامته، ورغبةً في تبرئة ذمته.

وتابع الرميد في تدوينة له على "فيسبوك": "الحقيقة أنه، وعملاً بالمبدأ المقرر لربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن كلا طرفي المعادلة يتحمل مسؤولية تتطلب المحاسبة: المسؤول السياسي مسؤول عن قراراته وتدبيره، والكاتب الصحفي مسؤول عن أخباره وتعليقاته.

إن المسؤول السياسي الذي توجه إليه المنابر الإعلامية تُهَمًا بالفساد السياسي، أو تطعن في أهليته الأخلاقية من حيث النزاهة والاستقامة الضروريتين لممارسة مهمته السياسية، ولا يلتجئ إلى القضاء، فإن ذلك يعني أنه يُسلِّم بصحة ما هو منسوب إليه، وبالتالي ينبغي عليه ترتيب النتائج اللازمة على ذلك، إما بالاستقالة أو الإقالة.

كما أن المسؤول السياسي الذي يلتجئ إلى القضاء إثر خبر أو مقال يقدّر أنه مسيء لسمعته، ينبغي اعتبار صنيعه هذا نوعًا من احترام الصحافة، فضلًا عن احترام نفسه ومهامه، على عكس المسؤول الذي تقول فيه الصحافة ما تقول من أخبار سيئة، وتورد بشأنه ما تورد من تُهَمٍ ثقيلة، ومع ذلك لا يُحرّك ساكنًا، ولا يردّ عليها ولو ببيان حقيقة، فهذا شخص ليس جديرًا بتحمل المسؤولية، ولا هو في مستوى ما تتطلبه الحياة السياسية من وضوح وشفافية.

على أن المسؤول السياسي، وهو يلتجئ إلى القضاء لمقاضاة من يعتبره قد أساء إلى سمعته أو نسب إليه فرية ليست من صنيعه، عليه ألّا يكون دافعه إلى ذلك الانتقام أو التنكيل، بل كشف الحقيقة، ولا شيء غيرها. ولذلك، إذا اعتذر الصحفي أو غيره عمّا قال في حق المسؤول بأي شكل أو سبيل، فإن ذلك يُعدّ بالنسبة إليه صكّ تبرئة، ينبغي أن يرحّب به، ويطوي على إثره صفحة المقاضاة.

وهكذا، يتم تخليق الحياة السياسية والإعلامية، بأن تظهر الحقيقة، إما بمقرر قضائي يُدين أحد الطرفين، أو بنقد ذاتي يضع حدًّا للغموض والاتهام الجزافي، وهو ما يدفع السياسي إلى استحضار الرقابة الإعلامية في قراراته ضمن ما ينبغي استحضاره، ويجعل الصحفي يستحضر احتمال المحاكمة القضائية، إن هو زاغ في الإخبار أو التعليق.

ومن جهة أخرى، فإن متابعة أي شخص، سواء كان صحفيًا أو مدونًا أو غير ذلك، ينبغي ألّا تخرج عن مقتضيات مدونة الصحافة والنشر، ما دام أن الأمر يتعلق بالنشر على دعامة ورقية أو إلكترونية كيفما كان نوعها، وما دام أن الفعل المشتبه في كونه جريمة، يوجد ما يجرّمه في هذا القانون، من منطلق إعمال النص الأصلح للمتهم، وتقديم النص الخاص على العام.
ودليل ذلك المادة 72 من مدونة الصحافة والنشر، التي جاءت بصيغة عامة، تشمل تجريم كل من قام بسوء نية بنشر أو نقل خبر زائف، أو ادعاءات، أو وقائع غير صحيحة، بواسطة المكتوبات أو المطبوعات، أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية أو البصرية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية.

وهي المادة التي تحيل عليها المواد 81 و82 و84 و85، والتي تتعلق بأصناف الهيئات والأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا جريمة القذف...

إن من شأن تتبُّع الصحافة، وغيرها من وسائل النشر، للفاعل السياسي بشكل مسؤول، أن يجعله أكثر يقظة، وحرصًا على احترام القانون، كما أن مقاضاة الصحفي أو أي ناشر للخبر أمام القضاء تجعله أكثر تحرّيًا للحقيقة، وأبعد عن المجازفة بنشر الأخبار الزائفة، وهو ما يخدم في النهاية التطور الديمقراطي للبلاد على صعيد الممارسة السياسية والإعلامية.