الزاوية الأولى، من حي Cassenda، التابع لبلدية Mianga. الزاوية الثانية، من فوق قنطرة بحي Estalagem، الواقع بتراب بلدية Viana. الزاوية الثالثة، من المنظر البانورامي بقلعة São Miguel المطل على الكورنيش الخاضع لبلدية Imgobota.
هذا الاختيار أملته نوعية المؤشر الذي اعتمدته، ألا وهو أن مدينة "لواندا" صممت أصلا لاحتضان 500 ألف نسمة، لكنها تضم اليوم 8 ملايين نسمة، أي ما يشكل 25% من سكان البلاد، يعيشون في 0،24% من مساحة أنغولا فقط، مما يفيد أن "لواندا" تفيض بتعداد سكاني يساوي 16 مرة طاقتها الاستيعابية..
وهذا ما شكل ضغطا رهيبا على كل حاجيات السكان بالعاصمة الأنغولية المقسمة إلى 9 بلديات ( منها ثلاث ضاحوية)، من شغل ونقل وسكن وشبكة الصرف الصحي والإنارة العمومية وتعبيد الطرق، هذا دون الحديث عن باقي المرافق العمومية الأخرى ( تعليم، تطبيب، إلخ....).
فرغم أن عمر مدينة لواندا هو 450 سنة، إلا أن المدينة أصلا لم تخلق بفضل دينامية داخلية محلية تتماشى مع صيرورة الخط العمراني الأنغولي على مر السنين، بل خلقت أصلا لتكون محطة لتصدير العبيد فقط، وهو ما يفسر لماذ ظلت " لواندا" تنمو على مدى قرون بدون استحضار التخطيط العقلاني والوظيفي لكل مجال من مجالاتها.
فبعد الغزو الجزئي لأرض أنغولا من طرف الاستعمار البرتغالي عام 1482، تم رسميا احتلال كامل أنغولا من طرف البرتغال عام 1575 بدخول البحار Paulo Dias De Novais لساحل "لواندا". وبحكم هيمنة البرتغال والإسبان آنذاك على تجارة العبيد، بادرت البرتغال إلى خلق مدينة "لواندا" وتحويلها رسميا الى عاصمة للاحتلال سنة 1627.
وبما أن الاستعمار البرتغالي يعد من أخبث أشكال الاستعمار في التاريخ، بالنظر إلى أن البرتغال كانت تنهب خيرات مستعمراتها دون الحرص على توفير الحد الأدنى من بنيات العمران والبنى التحتية المناسبة بالمستعمرات ( شأنها في ذلك شأن الاستعمار الإسباني في مستعمراته أيضا بمختلف دول العالم)، فقد ظلت مدينة "لواندا" مجرد ميناء ومحطة لاختطاف الأنغوليين من طرف البرتغاليين وتقييدهم بالأصفاد داخل السفن وبيعهم كعبيد، لينقلون فيما بعد نحو البرازيل بالأساس، وكذا باقي دول أمريكا.
رغم إلغاء نظام العبودية دوليا عام 1836، فقد ظلت تجارة العبيد مزدهرة بأنغولا على يد البرتغاليين.
بعد بروز قوى استعمارية جديدة بالعالم في القرن 19( من قبيل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وإيطاليا، إلخ...)، اشتد الضغط الدولي آنذاك على الاحتلال البرتغالي لإلغاء العبودية، فلجأت البرتغال عام 1899 إلى حيلة للالتفاف على هذا الضغط، عبر سن قانون الشغل خاص بالأهالي في أنغولا. هذا القانون نص على العمل الإجباري لصالح البرتغال، وهو ما تولد عنه بداية النمو الديغرافي الفعلي لمدينة "لواندا" لجلب الناس بالقوة من القرى للعمل بوحدات الاستعمار. هذا النمو بدأ يبرز خاصة، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
قانون السخرة الإجباري، استمر العمل به إلى عام 1961، تاريخ بداية تمرد الأنغوليين على هذا القانون، وهو التمرد الذي شكل شرارة المقاومة المسلحة ضد الاستعمار البرتغالي، الى أن حازت أنغولا على الاستقلال عام 1975.
حين استقلت أنغولا، تسلمت إرثا يتجلى في أن العاصمة "لواندا" كانت في سنة 1975، تضم 600 ألف نسمة، علما أن المدينة لم تكن مهيأة أصلا إلا لاستقبال نصف مليون نسمة في أقصى الحالات، لكن اندلاع الحرب الأهلية بين الفصائل الأنغولية (حركة UNITA المدعمة من الغرب من جهة، ضد حركة MPLA المدعمة من طرف الحلف الشيوعي آنذاك)، وما رافق ذلك من احتراب دموي بين الأنغوليين طوال 27 سنة، جعل " لواندا" تشهد تدفقات رهيبة لملايين السكان من كل أنحاء أنغولا هربا من تبعات الحرب الأهلية. فوقع تفريغ كامل لتراب البلاد من القرويين الذين نزحوا الى "لواندا"، فتراكم الاختلال بالعاصمة، وهو الاختلال الموجود أصلا بمدينة لم تكن لها أي وظيفة سوى وظيفة تصدير العبيد على مدار قرون.
حين وضعت الحرب الأهلية أوزارها وتم توقيع اتفاقات السلام نهائيا في 2002، بدأت أنغولا تلملم جراحها بكامل التراب الوطني، مع إعطاء الأولوية للعاصمة "لواندا"، ليس لأنها مقر الحكم المركزي فقط، بل لكونها كانت تأوي في 2002 مامجموعه 5 ملايين نسمة( في عام 2024 ارتفع سكانها إلى 8 ملايين نسمة كما أسلفت القول).
لكن بسبب طول مسلسل المصالحة والاتفاق على ترتيبات بناء الدولة وتوزيع السلط بين مكونات الحقل السياسي لما بعد الحرب الأهلية، لم يتم تقعيد المسلسل السياسي بأنغولا إلا في سنة 2008 بتنظيم أول انتخابات في "عهد السلم".
ومنذ 2008، وسلطات أنغولا منشغلة بإعادة ترميم 5 قرون تقريبا من الجراح والأعطاب التي حولت "لواندا" إلى خراب وفضاء عشوائي، علما أن "لواندا" تعد خامس ميتروبول كبير من الناحية الديمغرافية في إفريقيا، وثالث ميتروبول كبير في الفضاء الناطق بالبرتغالية ( بعد ساوباولو، وريو دي جانيرو بالبرازيل).
وبحكم غنى باطن أنغولا بالنفط ( هي ثاني منتج للبترول بإفريقيا)، وبالمعادن الثمينة ( هي رابع دولة في العالم منتجة لأحجار الماس)، فقد تم توظيف جزء من تلك الثروة لتجميل الواجهة البحرية لمدينة "لواندا"، عبر إعادة تهيئة عمرانية وتعميرية لكامل الساحل المركزي ( شارع 4 فبراير المعروف محليا باسم le Marginal )، من أجل ان يفتح كورنيش "لواندا"، شهية الشركات عالميا، وليكون هذا الكورنيش العصري تذكرة دخول المستثمرين من مختلف دول العالم إلى "لواندا"، لإعادة إعمار مدينة أذلها الاستعمار وخربتها الحرب الأهلية.