عبد الصمد الشنتوف: حكاية قصيرة عفريت الخبز

عبد الصمد الشنتوف: حكاية قصيرة عفريت الخبز عبد الصمد الشنتوف
عندما كنت تلميذا في المدرسة سألني المعلم ما هي السعادة بالنسبة إليك، فأجبته على الفور، أن ألتهم خبز أمي مغمسا في صحن اللوبيا ثم أتبعه بكأس من مشروب فانتا. فما كان من المعلم إلا أن ظل مأخوذا يرقبني بعين الدهشة، ثم أردف قائلا: يا لك من طفل خبزي! ابتداء من اليوم سيصبح لديك لقب جديد: "عفريت الخبز" ، فانفجر القسم من شدة الضحك.
كظمت غيظي طوال الحصة، ما أن فرغ المعلم من الدرس حتى عدت باكيا منكسر القلب إلى البيت. حكيت لأمي ما حصل فامتقع وجهها. قالت لي: هذا لقب مقيت لا يليق بك، لا أريد من التلاميذ أن يتنمروا عليك. غدا سأرافقك إلى المدرسة كي أوجه رسالة عتاب للمعلم.
في اليوم التالي، ارتدت أمي جلبابا فضفاضا داكن اللون، دثرت رأسها بقب مربع الشكل، ثم وشحت وجهها بلثام أبيض يتخلله خط أزرق حتى بدت وكأنها طائر البوم.
أسرعنا الخطى نحو المدرسة. كانت أمي معكرة المزاج. طرقت الباب بعصبية.
سرعان ما فتح المعلم باب القسم بوجه تعلوه ابتسامة باهتة. ومن دون مقدمات دخلت أمي في الموضوع دفعة واحدة:
كيف لك أن تلقب ابني بعفريت الخبز، وهو الذي يلتهم صحن اللوبيا بشراهة مع قسط قليل من الخبز.
حافظ المعلم على هدوئه، لكنه رد على أمي بسخرية فجة: ابنك يا سيدتي لا يرى سعادة الدنيا إلا في أكل اللوبيا مع مشروب فانتا، لذا سأطلق عليه عفريت اللوبيا بدل من عفريت الخبز. لم تدر أمي إن كان المعلم جادا أم مازحا. غير أن كلام الرجل نزل عليها كالصاعقة، مما تسبب لها في توتر وغضب عميقين. فما كان منها إلا أن انسحبت من غير استئذان تجر وراءها ذيول الخيبة مغمغمة بشفتيها. تخيلتها تلعن المعلم في سرها. أما أنا فقد أمضيت طوال ما تبقى من السنة وزملائي ينعتونني بعفريت الخبز تارة، وعفريت اللوبيا تارة أخرى. كانت الدنيا قد اسودت أمام عيني واعتراني إحباط شديد. صرت أردد في نفسي: " أرادت أمي أن تكحلها فأعمتها "، يا ليتني لم أحك لها شيئا، كان لدي لقب واحد مشين، أما الآن فصار لدي لقبان .