إبراهيم ابهوش: لقاء دي ميستورا بوزير خارجية موريتانيا في بروكسل... مسار جديد يمهد لتنزيل الحكم الذاتي

إبراهيم ابهوش: لقاء دي ميستورا بوزير خارجية موريتانيا في بروكسل... مسار جديد يمهد لتنزيل الحكم الذاتي إبراهيم ابهوش
وسط التحولات المتسارعة في المشهد الدولي، يتخذ نزاع الصحراء المغربية منحى جديدًا مع تصاعد اللقاءات الثنائية التي يقودها المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا. اختيار السفارة الموريتانية لعقد اللقاء يحمل دلالات دقيقة، فبدلًا من الطاولة المستديرة التي تجمع كافة الأطراف في نقاش مفتوح، يبدو أن الأمم المتحدة باتت تميل إلى حوارات ثنائية أكثر تركيزًا وفاعلية، هدفها تقريب وجهات النظر في إطار الحكم الذاتي، الذي أضحى الخيار الأمثل وفق القوى الدولية الكبرى.
الاعتراف الأمريكي والفرنسي والإسباني بالمبادرة المغربية يعكس اتجاهاً واضحًا نحو إنهاء الأزمة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل ستنخرط موريتانيا في هذه الديناميكية أم ستظل متمسكة بحيادها التقليدي؟
في عالم السياسة، ليست التفاصيل الصغيرة سوى إشارات تسبق التحولات الكبرى، واللقاء الذي جمع المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية ستافان دي ميستورا بوزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك في سفارة نواكشوط ببروكسل ليس استثناءً من هذه القاعدة. هذا الاجتماع، الذي جاء في ظرف سياسي دقيق، يعكس دينامية جديدة في النزاع حول الصحراء المغربية، حيث باتت الأمم المتحدة تتبنى نهجًا أكثر واقعية عبر اللقاءات الثنائية بعيدًا عن الطاولة المستديرة، التي كانت تستضيف أطراف النزاع دون تحقيق اختراقات حقيقية.
في السياسة، الموقع ليس مجرد مكان، بل رسالة دبلوماسية عميقة. اختيار السفارة الموريتانية ليكون مسرح هذا اللقاء يكشف عن توجه أممي نحو منح نواكشوط دورًا أكثر مركزية في الملف، خاصة وأن العالم بات ينظر إلى الحكم الذاتي المغربي كحل قابل للتنفيذ، مدعومًا بمواقف دولية واضحة من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.
كل المؤشرات تدفع إلى الاعتقاد بأن الملف يقترب من نقطة تحول تاريخية، حيث لم يعد الحياد خيارًا مريحًا، ولم تعد الحلول التقليدية قابلة للاستمرار. ما حدث في بروكسل قد يكون أكثر من مجرد لقاء، ربما هو لحظة إعادة تشكيل المشهد السياسي برمّته، وإذا كانت موريتانيا تجد نفسها أمام فرصة لإعادة ترتيب موقعها السياسي بعيدًا عن الحياد التقليدي، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل ستتبنى نواكشوط موقفًا أكثر وضوحًا في المرحلة القادمة؟ وهل يمكن أن تتحول من مجرد مراقب إلى وسيط فاعل في إنهاء النزاع؟
التحليل السياسي للأحداث يكشف أن نواكشوط قد تكون أمام فرصة ذهبية لإعادة تموضعها إقليميًا، إذ أن موقعها الاستراتيجي وعلاقاتها المتوازنة يتيحان لها لعب دور يتجاوز "الحياد الإيجابي" إلى "الحياد النشط"، ما قد يجعلها وسيطًا موثوقًا في الدفع نحو تسوية مقبولة دوليًا. اللقاء في بروكسل قد يكون بداية لمسار جديد، لكن الأهم هو ما إذا كانت موريتانيا ستختار استغلال هذه اللحظة الدبلوماسية لصالح نفوذها الإقليمي أم ستظل مترددة أمام ضغوط الأطراف الأخرى.
على الطرف الآخر من المعادلة، تواجه الجزائر اليوم اختبارًا صعبًا. فهل سيعقد دي ميستورا لقاءً مماثلًا مع وزير خارجيتها في السفارة الجزائرية ببروكسل؟ وإذا تم ذلك، هل ستقبل الجزائر الدخول في مسار مراجعة موقفها المتشدد، أم أنها ستواصل رفضها للحكم الذاتي باعتباره حلاً نهائيًا؟ الضغوط الدولية المتزايدة قد تدفع الجزائر نحو إعادة التفكير في نهجها، خاصة في ظل الإجماع الدولي المتنامي حول ضرورة وضع حد لهذا النزاع الممتد لعقود.
التحركات الأخيرة، التي تشمل سفراء القوى الكبرى، توحي بأن العالم بات أكثر استعدادًا لإنهاء حالة الجمود السياسي التي طال أمدها، عبر إعادة صياغة الحلول وفق منطق أكثر واقعية. فاللقاءات الثنائية التي يقودها دي ميستورا ليست مجرد محاولات دبلوماسية عابرة، بل خطوات نحو بلورة موقف عالمي موحّد يدفع نحو تسوية قائمة على الحكم الذاتي كإطار أممي نهائي للحل السياسي.
وبذلك يبقى السؤال الأهم: هل ستترجم هذه التحركات إلى قرارات حاسمة خلال الأشهر المقبلة، أم أن الحسابات الإقليمية ستؤجل الحسم مرة أخرى؟ هل نحن أمام بداية النهاية لهذا النزاع أم أنها مجرد جولة أخرى في مسار دبلوماسي طويل؟
الجزائر، التي ظلت تدعم البوليساريو، تجد نفسها الآن أمام واقع جديد، حيث بدأت تتعرض لضغوط دولية لمراجعة موقفها من النزاع. فهل سنرى دي ميستورا يعقد اجتماعًا مماثلًا مع وزير الخارجية الجزائري في سفارة الجزائر ببروكسل؟ وإذا حدث ذلك، هل ستقبل الجزائر الدخول في مرحلة مراجعة موقفها أم ستواصل التشبث برفض الحكم الذاتي كحل نهائي؟
التحركات الدبلوماسية لا تقتصر على الجزائر وموريتانيا فقط، بل تشمل أيضًا سفراء الدول المعنية بالنزاع، مما يعكس سعي الأمم المتحدة إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي وفق مقاربة أكثر واقعية وفعالية. في هذا السياق، تبقى الأشهر القادمة حاسمة في تحديد الاتجاه الذي سيتخذه الملف، فهل يشهد النزاع انعطافة حاسمة تقود إلى إنهائه، أم أن العراقيل السياسية ستظل قائمة وتؤدي إلى تأجيل الحسم؟
اللقاء في بروكسل قد يكون أكثر من مجرد اجتماع دبلوماسي، إنه إشارة إلى بداية تحولات جيوسياسية سيكون لها تأثير عميق على مستقبل القضية، فهل يشهد الملف لحظة حاسمة تقود إلى التوافق الدولي حول الحكم الذاتي؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.