خالد أخازي: شعبوية وهبي الفجّة.. "ربي إلما سدّ فمك"

خالد أخازي: شعبوية وهبي الفجّة.. "ربي إلما سدّ فمك" خالد أخازي
مرة أخرى، يسقط وزير العدل عبد اللطيف وهبي في فخ الشعبوية الخطابية التي تنفلت من عقال الحكمةتحت فورة الغضب، وهذه المرة من بوابة قبة البرلمان، حين صرّح – بكل حزم انفعالي – بأنه قادر على إدخال جميع رؤساء الجماعات إلى السجن في أسبوع واحد. تصريح أقلّ ما يقال عنه إنه استعراض خطابي فجّ يُراد به دغدغة الطبقة المنتخبة، وتصويرهم كأنهم في خطر محدق، والعيب في النصوص، خطاب لا يروم تثبيت الثقة في استقلال القضاء أو هيبة الدولة القانونية، بل يحول عملية المحاسبة العمومية والمدنية إلى سيرك وتهريج...
بالله عليك... لقد أقسمت اليمين... في هذا الملف وهل بعد يمين وهبي رد مكين...؟
وإن كان الوزير قد نسي – أو تناسى – أن في دولة المؤسسات، لا يملك وزير العدل أي صلاحية لزج أي كان في السجن، فإننا نذكّره أن مفاتيح الزنازين لا توجد لا في مكتبه، ولا في نبرة صوته. فحتى المندوب العام لإدارة السجون لا يُخرج ولا يُدخل أحدًا إلا بأمر قضائي نافذ، أما المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة، فهما وحدهما من يحددان مسار العدالة، وفق منطق الدستور، لا منطق التهديد الرمزي.
نعم، هو نفس الوزير الذي تحدث عن "جوارب" الخصوم، وسخّر من امتحانات المحاماة بأمثلة لا تليق بمرفق العدالة، وها هو اليوم يعود ليطرح معركة جانبية جديدة، جوهرها الحقيقي ليس حماية القانون، بل الالتفاف على مطلبٍ واضح: توسيع حق المجتمع المدني في تتبع ملفات الفساد وتقديم الشكاوى ذات الصبغة المالية والإدارية.
لقد بات جليًا أن السيد وهبي يخلط بين ما هو تأويل سياسي وما هو نص دستوري. فرفضه الصريح لتعديل مواد قانونية تُقوّي من آليات الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، لا يمكن تفسيره إلا في خانة معاداة منطق الرقابة، لا تطوير الأداء الحكومي.
بل الأكثر من ذلك، هو سعيه للتقليل من خطورة المتابعات الإدارية، حي يستهزئ بمسؤول يُتابَع لأنه لم يُرفق فاتورة شراء جرائد بمستند أرشيفي، وكأن المال العام قابل للاستهلاك خارج المساطر، وكأن تافه الأخطاء لا يمكن أن يكون بوابة كبرى نحو ثقافة الإفلات من العقاب.
في دول تحترم نفسها، وزراء أُعفوا لأنهم استعملوا سيارة الدولة في عطلة، أو صرفوا بضعة دولارات دون ترخيص مسبق. وفي المغرب، ما زلنا نناقش ما إذا كان صرف 1000 درهم يحتاج رقابة أم لا. بل أكثر من ذلك، نسمع من وزير في حكومة يفترض أنها حداثية، تبريرات لا تمت بصلة لمفهوم الحكامة ولا لشروط الشفافية.
الحداثة، السيد الوزير، ليست فقط في مدونة الأسرة، بل في بناء دولة تضع المال العام تحت المجهر، وتمنح للمجتمع المدني صلاحية التنبيه والتحرك، لا تسحب منه أدوات الدفاع عن المال العام باسم "التنقيح القانوني". الحداثة أن يكون الوزير أول المدافعين عن الشفافية، لا أول المحصّنين ضدها.
إذا كان تصريح وهبي مجرد زلة لسان، فليُعتذر عنه. وإذا كان موقفًا مبدئيًا، فهو موقف يُسائل أساس المشروع الحكومي الذي وُعد به المغاربة. أما إن كان أسلوبًا دائمًا، فلنا أن نرد عليه بما يشبه الحكمة الشعبية:
"ربي إلما سد فمك، حتى يجيب الله الفرج".
أتمنى من بنكيران ألا يدلي بدلوه في هذا النقاش، فشعبويته قاتلة لانتظارات الشعب.


---

هوامش مرجعية:

الفصل 36 من دستور 2011: يحظر استغلال النفوذ ويجرم الفساد والريع.

قانون 113.14 المتعلق بالجماعات: يحدد آليات صرف المال العام.

تقارير الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة: www.inpplc.ma

رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تفعيل الديمقراطية التشاركية، 2022.