أريري: قريبًا من روح أم كلثوم بالقاهرة

أريري: قريبًا من روح أم كلثوم بالقاهرة الزميل عبد الرحيم أريري ومشاهد من فندق أم كلثوم
رغم أن القاهرة تضم أزيد من 220 فندقا، فإني قررت الحجز في فندق "أم كلثوم". القرار لم يتحكم فيه المعيار الجغرافي من كون الفندق يطل على النيل، أو المعيار الوظيفي من كون الفندق قريب من محطة الميترو، أو المعيار المجالي من كون الفندق يوجد في أرقى حي بالعاصمة المصرية، بل المعيار الذي تحكم في الاختيار كان هو معيار الوفاء، لأن الفندق بني فوق أنقاض الفيلا التي بنتها "أم كلثوم" وسكنت فيها إلى أن أسلمت الروح لبارئها في فبراير 1975. وهو مايعطي لهذا الفندق نكهة خاصة لعشاق "الست" في العالم الذين يفضلون حجز الغرف به، لاستحضار واقتفاء طقوس كوكب الشرق. 
 
ففي شرفة هذه الفيلا كانت "أم كلثوم" تحتسي الشاي، وفي حديقتها كانت تلتقي الملحنين، وفي صالتها كانت تجتمع مع الأدباء والشعراء، وفي طابقها العلوي كانت تختلي مع أفراد أسرتها، وعلى طول كورنيش النيل المقابل لمنزلها كانت أم كلثوم تتمشى مع كلبها.
 
الحجز بفندق "أم كلثوم"، أملته ظرفية أخرى تتجلى في أن سنة 2025 تحمل سنة "الست أم كلثوم"، وتحمل سنة "كوكب الشرق"، بالنظر إلى أن هذه السنة تتزامن مع الذكرى 50 لرحيل أيقونة الطرب العربي الرفيع، لأن "الست" كانت وستظل، رمزا خالدا للفن الراقي، وستظل صوتا عابرا للأجيال.
 
الفندق يضم 100 غرفة، وكل غرفة تحمل اسم أغنية من أغاني المرحومة "أم كلثوم" من قبيل:"سيرة الحب، أنت عمري، أمل حياتي، الحب كله، ألف ليلة وليلة، فكروني، سهران لوحدي، الأمل، ليلتي، الأطلال، إلخ..."، بحكم أن روائع أم كلثوم تفوق 700 أغنية.
 
الحق يقال أني كنت أرغب في حجز غرفة "ياظالمني"، لأشكو ظلم الزمن وأشكو له في نفس الوقت كيف انحدر الذوق العام وهوى صرح الغناء في العالم العربي. لكن سوء حظي أن غرفة "ياظالمني" كانت غير شاغرة، فاقترح علي موظف الاستقبال غرف بأسماء أغاني أخرى، فاخترت "سيرة الحب"، على الأقل لأشهر وأعلن سيرة حبي لمصر ولشعب مصر الودود واللطيف.
 
فندق "أم كلثوم" الموجود بكورنيش النيل بشارع أبو الفداء بالزمالك، لم يبنى دفعة واحدة. بل "تفرقت دماء الورثة" حول المنزل ، بمجرد دفن أم كلثوم. وكان كل وريث"ينش على كبالتو"، فبقيت الفيلا مهجورة من 1975 إلى 1980. وبعد أن اتفق الورثة على تقسيم التركة، تم بيع الفيلا التي هدمت في عام 1982، وظلت الأفكار تتأرجح حول مصير العقار ونوع المشاريع التي يمكن أن تنجز فوق الأرض، إلى أن جاء مد الانفتاح بمصر وتدفق الرأسمال الخاص بقوة على سوق العقار.
 
في 2000 تم بناء برج من 26 طابق، على أنقاض منزل "أم كلثوم"، وهو برج يضم منازل فاخرة ومكاتب، وفندقا يحمل اسم "الست"، يشغل ستة طوابق من أصل 26، زائد الطابق الأرضي. هذا الفندق حاول مالكه أن يحافظ فيه على لمسة "أم كلثوم"، بتزيين مختلف طوابق الفندق بصور المرحومة وإطلاق أسماء أغانيها على كل غرفة.
 
لكن اللمسة الجميلة، هي صحوة السلطة العمومية بمصر عام1998، عبر المبادرة بتدارك التأخر في إحداث "متحف أم كلثوم"، الذي اختارت له وزارة الثقافة المصرية مقرا بشارع الملك الصالح بجزيرة الروضة (المنيل/ القاهرة)، فتحول المتحف إلى "حاضن" ثرات أم كلثوم من جهة،  وإلى مزار سياحي بالقاهرة من جهة ثانية.